إبراهيم بن عبد الرحيم بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني الحموي الأصل ثم المقدسي قاضي الديار المصرية ثم الديار الشامية، برهان الدين بن جماعة الشافعي أبو إسحاق، كان مولده سنة خمس وعشرين، وسمع الكثير بالقاهرة ودمشق، وأخذ عن جده وطبقته وحضر عند الذهبي ولازمه وأثنى الذهبي على فضلئله وناب في الحكم ثم ولي خطابة القدس ثم خطب إلى قضاء الديار المصرية فوليه مرتين بصرامة وشهامة وقوة نفس وكثرة بذل وعزل نفسه مراراً، ثم يسأل ويعاد حتى هم السلطان في بعض المرات أن ينزل إليه بنفسه ليترضاه، وكان حسن الإلقاء لدرسه، محباً في الحديث وأهله، كثير الإنصاف والاعتراف، قوياً في أمر الله، ثم ولي قضاء الشام من سنة خمس وثمانين عقب ولي الدين بن أبي البقاء إلى أن مات، وكان قوالاً بالحق معظماً لحرمات الشرع، مهاباً، محباً في السنة وأهلها، لم يأت بعده له نظير ولا قريب من طريقته، مات في شعبان، وخلف من الكتب النفيسة ما يعز اجتماع مثله، لأنه كان مغرماً بها فكان يشتري النسخة من الكتب التي إليها المنتهى في الحسن، ثم يقع له ذلك الكتاب بخط مصنفه فيشتريه، ولا يترك الأولى إلى أن اقتنى بخطوط المصنفين ما لا يعبر عنه كثرة، ثم صار أكثرها لجمال الدين محمود الاستادار، فوقفها لمدرسته بالموازنيين وانتفع بها الطلبة إلى هذا الوقت، وكان محباً للآداب، مصيغاً للأمداح، كثير البذل للشعراء، مدحه البدر البشتكي بغرر القصائد، فأخبرني شمس الدين الفيومي الكتبي قال سمعت البرهان يقول: ما قارب أحد من أهل العصر ابن نباتة إلا هذا الرجل، ومع ذلك فكان ينظم نظماً عجيباً، فقرأت بخط من أثق به أنه من خطه ذم مصر لما وقع بها الغلاء سنة ست وسبعين:
وماذا بمصر من المؤلمات ... فذو اللب لا يرتضى يكسن.
فترك وجور وطاعون وفرط غلا ... وهم وغم والسراج يدخن.