وذكر لي غيره أَن البرهان كان قد حضر من القدس إِلى دمشق ثم رجع فوصل كتاب السلطان إِلى نائب الشام بيدمر يذكر فيه أَنه يعرض منصب القضاء على البرهان، فإِن أَجاب أُلْبِس الخلعة التي صحبة البريدى، فأَرسل إِليه بيدمر البريديّ، فرجع من مرحلتين وعرض عليه ذلك فأَجاب وقال:"لو ولَّانى السلطان قضاءَ قرية لقبلتها".
وكان سبب ذلك ما تقدم من الإِشاعة التي أَوْجبَتْ عزله أَنه لا يوافق على تولية برقوق السلطنة، فأَلبسه بريديُّ بيدمر الخلعةَ واستأْذنه في التوجه إِلى القدس فأَذن له، فتوجه مسرعًا وخطب فيهم خطبة وداع ورجع هو وأَهله، وأَقام بدمشق إِلى أَن مات.
ويقال إِنه لم يجد في المودع الحكمى شيئًا فما زال بحسن نيابته (١) ونزاهته وعفته إِلى أَن امتلأَ، ووُجد فيه - لما مات - جملة من الأَموال النقد وغيره.
…
وفيها اشترى السلطانُ أَيتمش البجاسي من ورثة جرجي أُستاذ بجاس، وذلك أَن أُستاذه بجاسًا مات قبل أَن يعتقه واستحق ميراثَه ورثةُ أُستاذه جرجى، فصار أَيتمش مرقوقًا لهم؛ فسأَل السلطانُ في شرائه منهم فاشتراه منهم بمئة أَلف درهم ثم أَعتقه وأَمر له بَأربعمائة أَلف درهم وعُدَّ ذلك من الغرائب، فإِن جرجى مات سنة اثنتين وسبعين فأَقام أَيتمش سبعة عشرة سنة في الرق يتصرّف تصرّف الأَحرار إِلى أَن صار أَكبر الأُمراءِ بالديار المصرية.
…
وفيها فُوّض أَمر نقابة الأَشراف والنظر عليهم لعبد الرحيم الطباطبي، وكان القاضي الشافعي - قَبْل ذلك - ينظر فيه.
…
وفيها خرج سعد الدين بن أَبي الغيث صاحبُ ينبع على ركب المغاربة بوادي العقيق وطلب منهم مالًا فتكاثروا عليه وقيّدوه، فقام العرب الذين كانوا معه فقاتلوهم فقتلت منهم مقتلة عظيمة، ثم جاء التكرور والمغاربة فكثرت القتلى ونُهبت من المغاربة والتكرور أَموال عظيمة، فبلغ ذلك بهادر أَمير المحمل فقام في لمّ شعث هذه القضية وتسكين هذه الفتنة إِلى أَن هدأَت.