وقد ولي قرقماش هذا بعد ذلك إمرة حاجب الحجاب مدة بالقاهرة ثم آل أمره إلى أن ركب على الملك الظاهر جقمق بعد أن كان هو القائم في سلطنته. فلم يتم له أمر وقبض عليه وسجن بالإسكندرية ثم قتل في سنة ٨٤٢.
وفيها كان الطاعون الشديد بحلب حتى يقال مات فيه سبعون ألفاً وخلا أكثر البلد من الناس.
وفيها اشتد السلطان في أمر الأوقاف التي على المدارس والجوامع والمساجد والزوايا وأحواض السبيل والأخذ على أيدي مباشرتها وإلزامهم بالقيام بها، وبالغ قطلوبغا ناظر الأوقاف في إهانتهم وباشر بصرامة وقوة وشهامة، ثم طال العهد فتناول الرشوة وسقطت مهابته.
ذكر من مات
في سنة خمس وعشرين وثمانمائة من الأعيان.
إبراهيم بن أحمد، البيجوري الفقيه الشافعي برهان الدين، ولد في حدود الخمسين أو قبلها، وأخذ عن الأسنوي ولازم البلقيني، ورحل إلى الأذرعي بحلب سنة ٧٧٧ وبحث معه. وكان الأذرعي يعترف له بالاستحضار وشهد له الشيخ جمال الدين الحسباني عالم دمشق بأنه أعلم الشافعية بالفقه، في عصره، وذكر جمال الدين ابن الأذرعي أن البيجوري كان ينسخ القوت كل مجلد في شهرين وفي كل ليلة ينظر على مواضع فيصلح الأذرعي بعضها وينازعه في بعضها، وقال محيي الدين المصري: فارقته سنة خمس وثمانين وهو يسرد الروضة حفظاً، وكان ديناً خيراً متواضعاً لا يتردد لأحد سليم الباطن لا يكتب على الفتوى تورعاً، وولي بأخرة مشيخة الفخرية بين السورين، وأجاز لأولادي. وكثر تأسف الناس عليه فإنه كان ينفع الطلبة جداً حتى كانوا يصححون عليه تصانيف العراقي فيهذبها ويهديهم إلى الصواب مما يقع فيها من الخطأ نقلاً وفهماً، وكانوا يطالعون العراقي بذلك فلا يزال الصلح في تصانيفه ما ينقلونه له عنه، ولم يكن في عصره من يستحضر الفروع الفقيهة مثله، ولم يخلف بعده من يقارنه في ذلك، مات في يوم السبت ١٤رجب، وكان على طريقة السلف.
إبراهيم بن محمد الشافعي برهان الدين ابن خطيب بيت عذراء، ولد سنة اثنتين وخمسين بعجلون، وقدم مع أبيه صغيراً، وكان أبوه خطيب عذراء فحفظ إبراهيم المنهاج واشتغل على شيوخ العصر، وأذن له ابن خطيب يبرود، ورحل إلى الأذرعي بحلب ورافق ابن عشائر وكان حينئذ يستحضر الروضة حتى كان يرد على الاذرعي في بعض ما بفتى به ويدل على المسألة في الروضة في غير مظنتها، وتصدى للقاضي شهاب الدين ابن أبي الرضى حتى أخذ عليه في ثلاثين فتياَ أخطأ فيها حتى نسبه في بعضها لمخالفة الإجماع مع شدة ذكاء ابن أبي الرضى إذ ذاك، وكان البلقيني يفرط في تقريظه والثناء عليه، ثم ولي قضاء صفد بعناية الشيخ محمد المغيربي، ثم عزل ثم أعيد، ثم أقام بدمشق من سنة ست وثمانمائة بطالاً وحصلت له فاقة، ثم حصل له تصدير بالجامع، وكان يحفظ كثيراً من شعر المتنبئ ويتعصب له ويحفظ أشياء من كلام السهيلي، وكان حسن الشكل سهل الانقياد سليم الباطن، وله شرح على المنهاج فيه غرائب، ولم يكن له يد في شيء من العلوم إلا الفقه خاصة، مات في سابع عشري المحرم بالفالج وقرر ابن منكلي بغا له في جامع ولده بحلب تدريساً وذلك في سنة ثلاث وتسعين فاتفق حضور الشيخ سراج الدين البلقيني صحبة الملك الظاهر فسأله أن يحضر إجلاسه، فلما حضر قال له: تدرس أنت أو أنوب عنك فقال: تكلم يا مولانا شيخ الإسلام! قال علاء الدين في تاريخه: كان يميل إلى القضاء كثيراً، ثم كرهه في آخر زمانه ونزل له نجم الدين ابن حجي عن نصف تدريسه الركنية، فدرس فيها قليلاً ومات.
أحمد بن إبراهيم بن المحلي، شهاب الدين الشاهد، سمع من أبي الفتح القلانسي وغيره، وأجاز لأولادي، وكان أحد الصوفية بالركنية بيبرس ويتكسب بالشهادة ببولاق جاوز الثمانين.
أحمد بهاء الدين بن الفخر عثمان بن التاج محمد بن إسحاق المناوي. كان قد استقر في وظائف أبيه شركة مع أخيه بدر الدين، ناب في الحكم، ودرس بالمجدية وغيرها، وكان حسن البشر والتودد محباً في أهل العلم، وقد عين للقضاء مرة وكانت نفسه تسمو إلى ذلك فلم يتفق له، ولما مات قررت وظائفه كلها بيد ولده علي وهو صغير جداً فاستنيب عنه خاله جلال الدين ابن الملقن، وكان موت بهاء الدين في رمضان وله نحو أربعين سنة.