الموضوعات، وظل ابن حجر بهذه المدرسة قيما على مكتبتها ثلاث سنوات نُقل بعدها إلى مدرسة جمال الدين الأُستادار عند أول افتتاحها سنة ٨١١ هـ، ويذكر المقريزي أنه كان بها خمسةٌ من شيوخ العلم يتناول كل منهم ثلاثمائة درهم شهريا.
* * *
وتتناول مخطوطة "إنباء الغمر بأَنباء العمر" تاريخ مصر والشام والدول التي تتاخمهما والتي كانت لها بهما علاقات أيا كانت صورة هذه العلاقات، وكذلك تراجم الرجال والنساء الذين قُدّر لهم أن يموتوا خلال هذه الحقبة التي تتضمنها "الإنباء" ونعني بها من سنة ٧٧٣ هـ (وهى سنة مولد ابن حجر) حتى عام ٨٥٠ م أي قبل وفاته بعامين، ومن ثم كانت الإنباء شاملة للفترة الأخيرة من حكم السلطان شعبان ثم برقوق وفرج والمؤيد شيخ محمودى وبرسباي ولجزء من سلطنة جقمق، ولم يقف ابن حجر عند حدّ الأحداث السياسية في عام يومه إذ ذاك بل تناول الأوضاع السياسية والاقتصادية والتجارية، كما تضمّن إشاراتٍ فريدةً إلى التكتلات الصليبية الغربية والمحالفات التي كان الغرض منها القضاء على قوة مصر، وهى أحداث ضخمة أيّدتها الوثائق المحفوظة في بعض دول أوربة.
كذلك ألمّ بالأوضاع الاجتماعية للشعب المصرى، ولم تفته الإشارة في كثيرٍ من الأحيان إلى الأدب الشعبي ممّا نستطيع معه رسم صورة حية لهذا المجتمع، ومن ثم تطرّق إلى ذكر الأُدباء والفقهاء والقضاة ورجال الدين والمعتقَدين وأصحاب الحرف وشهيرات النساء في عالم العلم والغناء والسياسة، كما أشار إلى التطورات التي أخذّت سبيلها إلى الحياة اليومية سواء ما كان منها نابعا من الناس أنفسهم أو متّصلا بتفسيرات ترتكز على أَساس من الفقه والشريعة كنظام الأوقاف وما كانت تمليه سياسة الوقت إذ ذاك، هذا إلى ما تضمنه "الإنباء" من وثائق ضاعت أصولها أو أخرى استكتبها من أصحابها أنفسهم فكانت له بذلك أسبقيةٌ على كثير من مؤلفات غيره.
* * *
وقد اعتمد ابن حجر في تدوين محتويات "إنبائه" على عديد من المراجع المعاصرة التي ذكر أسماء أصحاب البعض منها في مستهل كتابه، ثم أشار في كثيرٍ من المواضع - وحيث استلزم الأمر - إلى من أخذ عنهم، وقد كتب إليه البعض بأنباء حضروها وكان هو غائبًا عنها، ثم هناك فريق رحل إليهم ابن حجر ذاته فحدّثهم وحدّثوه وسمع منهم، وكان ابن حجر من