للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومثال ذلك ما سيراه القارئ من التقرير الذي كتبه إبراهيم بن البقاعي عن حملات جقمق الثلاث التي أنفذها لمحاربة قراصنة الكتلان والاسبتارية ورودس مما يلقى ضوءا جديدا كل كل الجدّة على حقيقة هذه الحملات مما يغاير ما اتفق عليه حتى الآن بين المؤرخين (١)، ومثال دقته حين يورد هذا التقرير يثبته بخط البقاعي.

واستطاع ابن حجر بفضل مكانته في دوائر الحكم العليا أن يصوّر في الأَنباءِ أحداثا معينة في حقيقتها مثل كشفه القناع عن محاولة فاشلة لمحاولة صليبية بين أراجون والحبشة في زمن برسباى لسحق قوة مصر وتحويل مجرى النيل (٢)، وهو بهذا يرينا أن فكرة فيليب دي مزيير Philippe de Meziere قد ظلت حية في أذهان جماعاتٍ كثيرة من أهل الغرب في القرن الخامس عشر، وأهمية هذا عند المشتغلين بدراسة الحروب الصليبية هو إمكان كتابة فصولٍ جديدة فيها معلومات تظهر لأول مرة في الشرق والغرب على السواءِ.

وتهيأَ لابن حجر أَن يشغل وظائف التدريس المختلفة والإفتاء ودار العدل وقاضي القضاة الشافعية، ويلاحظ أنه عنى عناية فائقة بالتدريس الذي لم يصرفه عنه شيء ألبتة حتى أيام توليّه القضاء والإفتاء، وكان لا يقدّم عليه أي منصب مهما بلغ من الرفعة، وكانت مجالس إملائه تزدحم بشخصيات كبيرة لمعت في أفق الحديث والتاريخ والأدب.

تولى ابن حجر تدريس الحديث وقد اكتملت له أسبابه فعهد إليه السلطان فرج بن برقوق بعقد مجالس إملائه في المدرسة الشيخونية عام ٨٠٨ (= ١٤٠٥ م) ويشير القلقشندى إلى أن وظيفة التدريس بهذه المدرسة كان يُعهد بها - من قِبل السلطان - إلى أبرز رجالات هذا العصر، ولقد عكف ابن حجر على الإملاء وعكف تلاميذه على الأَخذ عنه، فإذا مجالس إملائه في الشيخونية تؤلف فيما بعد كتابه "الإمتاع بالأَربعين المتباينة بشرط الإسماع"، ثم قام في العام التالى بتدريس الحديث ولكن في المدرسة المحمودية التي كانت من أحسن مدارس عصرها في مصر والشام إلى جانب ما زخرت به من آلاف المجلدات في شتى فنون المعرفة السائدة يومذاك، والظاهر أن ابن حجر كان حريصا على تولِّى أمر هذه المدرسة نظرًا لمكتبتها، إذ يحدّثنا تلميذه السخاوى بأن شيخه عمل لها فهرستين إحداهما بالحروف الهجائية والأُخرى حسب


(١) Cf. H. Habashi Egyptian Expeditions against Dastelrosso & Rhodes
(٢) السخاوى: الجواهر والدرر، ورقة ١٣٣ ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>