للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ابن حجر لقفه أُستاذه في ترجمتيه اللتين أودعهما إنباءَ الغمر والمعجم المفهرس، وكذلك ترجمته إياه في ذيل الدرر، غير أن البلقيني كان ركيك الأُسلوب في العربية ضعيفه حتى ليقول النواجي (١) الشاعر المصرى إن الشيطان "وجد سبله إلى البلقيني مقفلة فجاءه من باب ما نظم".

أما ثاني هؤلاء الأَساتذة الذين يدين لهم ابن حجر بالفضل فهو ابن الملقِّن الذي خلّف مجموعةً ضخمةً من الكتب القيمة (٢)، وقد ولد ابن الملقن بالقاهرة سنة ٧٢٣ هـ، وكان أَبوه قد قدم في الأصل من وادي آش بإِسبانيا ومن ثم يرد اسمه أحيانا في ترجماته بالوادي آشي، وعدّه كل من ابن فهد والسيوطي بين جماعة الحفّاظ، وقد شرع ابن الملقن في أخريات حياته في وضع شرح لصحيح البخارى في قرابة عشرين مجلدة، على أنه يقال إنه كان في دروسه أحسن منه في كتاباته.

ولقد شارك ابن الملقن في مضمار الحديث معاصرُه عبد الرحيم بن الحسين المعروف بالعراقي الذي برز في القراءات واللغة وفقهها (٣)، فأكثر من الرحلة في طلب الحديث، وهيّأَت له أسفاره العدة الفرصةَ لمعرفة رجالاته مما كان له أثر غير منكور في توجيه تلميذه ابن حجر حتى صار إليه الرجوع فيه، وعليه المعوّل في التثبّت من رواته، وقد ولى العراقى وظائف التدريس والإفتاءِ في مصر ودمشق ومكة، وخلاصة القول أن ابن حجر تتلمذ على يد ثلاثةٍ من أعلام فنونهم، ولقد أجمل ابن شهبة أَهميتهم في نعته إياهم بأَنهم كانوا معجزة زمانهم (٤).

* * *

ولقد شَغل ابن حجر كثيرًا من الوظائف الهامة في الإدارة المملوكية المصرية، وهى وظائف هيّأَت له السبل للوقوف على ما جريات السياسة المصرية ودخائلها آنذاك، ومكّنته من الاتصال المباشر بالمصادر الأولى لأَحداث هذا العصر سواءٌ أكانت هذه المصادر هي السلاطين أنفسهم أم كبار رجالات الدولة أم طلاب العلم أم الوثائق التي لم تتوفّر كثيرًا لمن عاصروه من المؤرخين، ويتجلى هذا كله فيما ازدحمت به سطور "الإنباء" من الإشارات الجمّة إلى روايته عن بعض السلاطين كالمؤيد شيخ والظاهر ططر، وفى استعماله مكاتبات وتقارير لم ترد عند غيره،


(١) السخاوى: الضوء اللامع، ج ٧ رقم ٥٧١.
(٢) لحظ الألحاظ لابن فهد، ص ٢٠١.
(٣) ابن فهد: لحظ الألحاظ، ص ٢٠١.
(٤) ابن قاضي شهبة: طبقات الشافعية، ورقة ١٩٢ ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>