للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واتَّفق أَن الوجْه البحرى كان مُقِلًّا من الغلال بسبب الفأْر الذي تسلَّط على الزرع في هذه السنة، فاحتاجوا إِلى جلْبه من الصعيد، فأَمسك أَهلُ الصعيد أَيديَهم عن البيع لما يبلغهم مِن مَنْع المحتسب من الزيادة في السعر، واشتد الأَمْر وعمّ البلاء.

ولما رآى التاج الوالى - وهو المحتسب يومئذ - ذلك استعفى مِنَ الحسبة، فقرّر نائبُ الغيبة فيها القاضيَ شمسَ الدين محمدَ بن يوسف الحَلاوي (١) في العشرين من شوال فباشر أَيَّامًا قلائل؛ فلمّا أَهلّ ذو القعدة تزايدت الأَسعار واشتدّ الزحامُ بالأَفران، فخشي المحتسب على نفسه فاستعنى وأُعيد أَمرُ الحسبة إِلى الوالى - وهو التاج الشوبكي - وذلك في حادى عشر ذي القعدة؛ وقد امْتَدَّت الأَّيْدى للخطف واجتمع مَن لا يُحصى ببولاق لطلب القمح، وتعطَّل غالبُ الأَسواق من البيع والشراءِ بسبب اشتغالهم بتحصيل القوت لأَنَّ بعضهم كان يتوجّه إِلى الأَفران من نصف الليل ليحصل له شيء من الخبز، وبعضهم يتوجّه إِلى السواحل ليحصل له شيء من القمح، فمنهم من يجد ومنهم من يرجع خائبًا، فقلَّتْ أَصناف المأْكل وعظُم الخطب، وصارت المركب من القمح إذا وَصَلَتْ إِلى السّاحل تُرْبَطُ وسَط النّيل خشيةً من النهب بالسّاحل ويتوجّه الناس إِليها في الشخاتير ليشتروا منها.

ثم وقع التحجير على من يشترى زيادةً على إِردب، فصار معظم الواصل يقسَّم على الطحَّانين ليطحنوه للفرانين ويُحمل إِلى حوانيت الخبّازين، ومع ذلك فالزحام عليه شديدٌ حتى مات جماعةٌ من الزحمة، وغرق جماعةٌ في البحر عند التوجّه إِلى المراكب الواصلة.

وخَرج الناس في ثامن عشر ذي القعدة إِلى الصحراء يستكشفون هذا البلاءَ، ومقدّمهم


(١) هو محمد بن يوسف بن أبي بكر بن صلاح الدمشقي ثم القاهرى الحنفى، وقد اختلف في لقبه "الحلاوي" فنسبه بعضهم للمدرسة الحلاوية بحلب وهذا قول ضعيف، وأما الأكثرية فتقول إن أباه كان يبيع الحلوى الناطف في طبق فسمى بهذا الاسم، والظاهر أنه كان مشئوم الطليعة على من عرفه، حتى لقد قال بعضهم فيه:
إن الحلاوي لم يصحب أخاثقة … إلا محا شؤمه منه محاسنهم
السعد والفخر والطوخي لازمهم … فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم
انظر عنه الإنباء وفيات سنة ٨٤٠، والضوء اللامع ١٠/ ٢٩٢، ونزهة النفوس والأبدان، ورقة.