للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي رمضان - ليلة الجمعة ثالثه - أُخِذَ رجلٌ سكران وهو يشرب الخمر بالنهار فضُرب الحدَّ وطيف به، فثار به عامَّة الصليبة فقتلوه ثم أَجّجوا نارًا فأَلقوه فيها حتى مات حريقًا.

* * *

وفى شوال - ليالى تَوَجُّهِ الحجاج - ابتدأَ الغلاءُ العظيم في القاهرة مع وجودِ الغلال وزيادةِ الماءِ وكثْرَةِ الزرع، وكان أَول السنة في الغلال مِن الرّخْص شيء عجيب بحيث أَن القمح الذي هو في غاية الجودة لا يتجاوز النِّصفَ دينار: كلُّ إِردب، ودونه قد يباع بالدينار ثلاثة أَرادب وذلك في كثيرٍ من الأَوقات. وأَعظم الأَسباب في هذا الغلاء كثرةُ الفتن بنواحي مصر من العرب وخروج العساكر إِليهم مرة بعد مرة، وفى كل مرة يحصل الفسادُ في الزرْع ويقلّ الأَمْنُ في الطرقات فلا يقع الجلب كما كان.

وفي آخر ذلك توجّه الأُستادار لدفْع العرب المفسدين في وقْت قبْضِ المغل، فعاث منَ معه في الغلال وأَفسدوا وعادوا بُخُفّيْ حنين، واتفق وقوع القحط بالحجاز والشام فكثر (١) التحويل في الغلال من نواحي أَراضى مصر وصعيدها، واتُّفق أَن بعض الناس - مِمَّن له أَمرٌ مُطاعٌ في غيبة السلطان - أَرادَ التجارة في القمح فصار يحجر على مَن يصل بشيءٍ منه أَن يبيعه لغيره، فعزَّ الجالبُ فِرارًا منه، فوقع في البلد تعطيلٌ في حوانيت الخبّازين، ووقع الفساد من ذلك قليلًا قليلًا بحيث لا يُتَنَبَّه له، إِلى أَن استحكم فبلغ الإِردبٌ من القمح إِلى ثلاثمائة وكذلك الحِمْل من التِّبْن، وتزاحم الناس على الخُبز في الأَسواقِ إِلى أَن فُقد من الحوانيت وصار الذي من شأْنه أَن يكتفى بعشرةِ أَرْغفة لوْ وَجد مائةً لاشتراها لِمَا قُذِف في قلوبهم من خشْيَة فقْدِه، وصار مَن عنده شيءٌ من القمح يحرص على أَن لا يُخْرِج منه شيئًا خشيةً أَن لا يجد بَدَلَه، فتزاحم الناس على الأَفران إِلى أَن قُفِلَتْ وصاروا يبيعونه من الأَسطحة وآل الأَمر إِلى أَن فُقِد القمح وبلغ الناس الجهد وانتشر الغلاءُ في بحريِّ مصر وقبلِيِّها.


(١) جاءت هذه العبارة في ث على الصورة التالية: "فكثر التحويل في الغلال إلى النواحى من أراضي مصر وصعيدها".