للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قبض عليه وهو ذاهبٌ إلى جهة الشام، فردّه من الخانقاه السرياقوسية، فأُحضِر عند السلطان فأمر بعقد مجلس بالقضاة الأربعة، فشهد ثلاثة عند ابن عبيد الله المذكور عليه بما يقتضى الاستهتار بالدّين والتنقيص للرسول، وشهد أحدهم أنّه قال عن كثرة صلاة المصّلين على النبيّ أول النهار: "فلان مغرض"، وشهد آخر أنّه سمعه يقول لمن صلّى عليه: "يا منافق، تصلّوا ومحمد نبيكم كذا" وذكر لفظةً بالتركي فاحشة وشهد آخر أنه سمعه يخاطب جماعةً من المسلمين بما نَصُّه: "يا خنازير، كل دينكم باطل! ". ثم حضر القضاة عند السلطان بسببها فأعادوا له ما جرى، فأمر الحنفيَّ أن يتعاطي الحكم في ذلك بنفسه بعد أن أحضر بعضُ جلساء السلطان النَّقْل من عِدّةِ كتبٍ للحنفية أنّ توبةَ الزنديق لا تُقْبل، وطلب القاضي تكثير الشهود، وكان قد بلغه أن الذين يشهدون عليه بنحو ذلك كثير، فتوجّه إلى منزله وأحضر المذكور فادّعى عليه أن له مدّةً طويلة يمرّ بالشوارع ويصرّح بسبب النبيّ ، وبالسّبّ في الصحابة، وينظر إلى السماء ويتكلم بكلمات تؤدى إلى الزندقة، فأنكر، فشهد عليه شاهدان أحدهما أنه قال لفظًا بالتركي يقتضى بسب الباري - سبحانه - السبَّ الفاحش، وزاد أحدهما أنّه سبّ أبا بكر، وشهد آخر أنه سمعه مرارًا يصرّح بسبّ أبي بكر ويقول عنه: "كلب"، وشهد آخر أنه طلب منه شيئًا فقال: "ما معى إلّا أربعة أفلس" فقال: "هاتهم فَهُم عندى خيرُ من أربعين نبيّ أو أربعين ألف نبيّ" بنقل الشاهد.

وشهد آخر أنه سمعه يشير إلى السماء ويقول بلفظٍ غير عربيّ مايقتضى السبّ الصريح، ثم أعِيدَت شهادةُ الذين شهدوا أمس، فأعذر إلى المدّعى عليه فقال: "لا أعرف أحدًا منهم ولا بيني وبين أحدٍ منهم عداوة".

ثم حضر شاهدٌ آخر شهد عليه أنه سمع منه لفظًا فاحشًا بغير العرب مَدْلُولُه سبُّ الباري بما هو أشنع وأبشع ممّا تقدّم، فعِند ذلك أمر به إلى السجن، فسمعه شاهدان يتلو قوله تعالى (١): "قَالَا رَبُّنَا ظَلَمْنَا أنْفُسَنَا وإن لم تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَن مِنَ الخَاسِرِينَ" نطق بها "لتكوننّ" بالتاء المفتوحة المثناة بدل النون.

وشهد آخر في صبيحة يوم الأربعاء حادى عشره فشهد أنه سمعه يسبّ القارئ وغالبَ


(١) الأعراف، آية ٢٣.