للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي جمادى الأولى قدم من حلب جمال الدين يوسف قاضي الشافعية بها ومحبّ الدين ابن الشحنة قاضي الحنفية بها، وكانوا طُلبوا (١) من جهة السلطان لكونْهم بايعوا جكم على السّلطنة وأَفتوه بقتال السلطان، ثم هرب ابن الشحنة وأُدخِل الآخران القاهرة.

* * *

وفي التاسع من جمادى الأُولى نزل السلطان بلبيس فقبض على جمال الدين الأُستادار وعلى ابنه وابن أُخته وعامّةِ من يلوذ بهم، وهرب أَخوه شمس الدين البيري وطائفة، وكان النَّاصر قد تخيّل منه في هذه السَّفرة أنه يماليّ عليه وأنه يريد أَن يمسكه، ووجد أَعداؤه (٢) سبيلًا إلى الحطِّ عليه عنده إلى أَن طابق ظنه وأَمسكه.

ودخل الناصر القلعة في حادي عشره وتقدّم إلى كاتب السرّ فتح الله في حِفْظ موجود جمال الدين، فاستعان فتح الله على ذلك بالقضاة فلم يزل جمال الدين وولده يُخْرِجان ذخيرةً بعد ذخيرة إلى أَن قارب جملة ما تحصّل من موجوده أَلف أَلف دينار، وأَحضره النَّاصر مرة وتلطَّف به ليُخرج بقيّة ما عنده فأَكَّد اليمين واعترف بخطئه واستغفر فرقّ له وأَمر بمداراته. فقامَتْ قيامة أَعدائه وأَلَّبوا عليه إلى أَنْ أَذِن لهم في عقوبته وسلمه لهم، فلم يزالوا به حتى مات خنقًا بيد حسام الدين الوالي، وقُطعت رأْسُه فأُحضرت بين يدي النَّاصر فردّها وأَمر بدفنه. وذلك في حادي عشر جمادى الآخرة.

واستقرّ تاج الدين عبد الرزاق بن الهيصم في الأُستادارية موضع جمال الدين ولبس بزىّ الأُمراء وترك زيّ الكتاب، واستقرّ أَخوه مجد الدين عبد الغني في نظر الخاصّ وسعدُ


(١) هكذا في الأصول، وتدل بقية الخبر على أنهم كانوا ثلاثة وليسوا اثنين فقط، ولم نستطع الاستدلال على الثالث.
(٢) كان من بين أعدائه تغري بردي والد أبي المحاسن المؤرخ، ويعلل أَبو المحاسن كراهية أبيه له "لقلة دينه وسفكه الدماء وعظم ظلمه"، لكن الواقع أن تغري بردي كان قد تحول عنه لأنه قتل أستا داره عماد الدين إسماعيل، وإلى هذا يشير أَبو المحاسن نفسه ويقول إن أباه "أخذ في توغير خاطر السلطان على جمال الدين، ولا زال به حتى تغير عليه". ومن الأسباب الشخصية للناصر فرج ضد جمال الدين الأستادار ما بلغه عنه من أنه أرسل صرة للمؤيد شيخ بخمسة آلاف دينار، وإلى غيره من الخارجين على السلطان، كما أنه أعلمهم بعزم فرج على مسكهم، انظر تفصيل ذلك في النجوم الزاهرة، ج ٦ ص ٢١٦ - ٢٢٢.