للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُضْرَب (١) عريانا فشفع فيه الحنفي، فضرب خمسًا وسبعين عصًا، وأمر بنَفْيه، فأخْرِج في الحال إلى التربة.

وكان السبب في ذلك أن شخصًا يقال له حميد الدين بن تاج الدين [النعماني] الفرغاني قدم من دمشق وطلب وظيفة بدمشق، فكتب له السلطان بها فتوجّه إلى دمشق فوقف في طريقة القاضي الحنفي وهو شمس الدين الصفدى، فرجع ساخطًا، فذكر للسلطان أنَّ الحنفيّ وقع في حقّ أمَهات المؤمنين، وقصّ قصةً شنيعة، فبادر الكوارني بالإنكار عليه. وهذا الكوراني كان قدم علينا (٢) منحو عشر سنين طالبَ علم، وهو في غاية القلة والذلة، فقَرأ عليَّ البخاري، ودار على بعض الشيوخ، وقرأ على علاء الدين القلقشندي في الحاوى الصغير، وتردد على كاتب السرّ البارزى فاتّفق حضوُر كِتَابٍ من بلاد العجم فاستقرأه إياه، فأجاد في تعريبه، فقرَّبه إلى السلطان فقرّر له راتبا، وترقيّ بعد ذلك إلى أنْ صار في هذه الدولة عينًا لكاتب السر عند السلطان وصار يجالس السلطان كل يوم من أوَّل النهار إلى قريب الظهر لا ينقطع، وعظم قدرُه في أعين الناس على العادة بالوهم، وثقل في نفس الأمر على السلطان، وهو مطبوع على الاحتمال.

ولما أنكر على حميد الدين اتفق حضورهما عند كاتب السرّ فتقاولا في ذلك، فقال له حميدُ الدين: "أنت حمار ما تفهم" فأجابه بأن "الحمار أنت وأبوك وأجدادك وأسلافك" وكان في المجلس جماعة منهم بدر الدين محمود بن عبيد الله، وكان قد سعي في قضاء دمشق عند إينال الجكمي، وغضب السلطان على القضاة الذين وافقوه على الخلاف ومنهم الصَّفدى، فعزل السلطان الشافعي لذلك وَوَلى بهاء الدين بن حجيّ، فطمع ابن عبيد الله أن يُعزل الصفدى فسَعَى في ذلك فوافقوا في قضيتّه، وبالغ فيها الكُوراني المذكور، فبادر حميدُ الدين المذكور بالشكوى إلى السلطان، واستشهد بابن عبيد الله فشهد له بأن الكُورَانى قال له ولم يذكر مابدأ به حميد الدين.

وكان تاج الدين - والد هذا - يَدّعى (٣) أنّه من ذرية الإمام أبي حنيفة، وأمْلى لنفسه نسبًا إلى يوسف بن أبي حنيفة، يَعْرف مَنْ له أدنى ممارسة بالأخبار تلفيقه، فكتبه عنه الشيخ تقيّ الدين المقريزي، فطلب السلطان شاهدًا آخر، فأحضروا آخر فلم يشهد بشيء


(١) ومع ذلك فقد أشار السخاوي نفس المرجع والجزء والصفحة إلى أنه كان قد اختص بالسلطان جقمق فانهالت الدنيا عليه.
(٢) يؤيد هذا قول البقاعي في ترجمته بمعجمه عنوان الزمان، رقم ١١ "قدم القاهرة في حدود سنة خمس وثلاثين".
(٣) في هامش هـ بخط الكيالي: "الطعن في نسب حميد الدين".