ثم تحول إلى دمشق فسار من حلب في أول ربيع الآخر، فكان من أمر الناصر ورجوع العساكر إلى مصر ما تقدم، وتوجه من دمشق في شعبان، فلما كان في سنة أربع وثمانمائة قصد بلاد الروم فغلب عليها وأسر صاحبها، ومات في الاعتقال. ودخل الهند فنازل مملكة المسلمين حتى غلب عليها، وكان مغرى بغزو المسلمين وترك الكفار، وصنع ذلك في بلاد الروم، ثم في بلاد الهند؛ وكان شيخاً طوالاً شكلاً مهولاً طويل اللحية، حسن الوجه، بطلاً شجاعاً، جباراً، غشوماً، ظلوماً سفاكاً للدماء، مقداماً على ذلك، وكان أعرج، شلت رجله في أوائل أمره، وكان يصلي من قيام، وكان جهير الصوت، وكان يسلك الجد مع القريب والبعيد، ولا يحب المزاح، ويحب الشطرنج وله فيها يد طولى، وزاد فيها جملاً وبغلاً وجع رقعته عشرة في أحد عشر، وكان فيها ماهراً وكان لا يلاعبه به إلا الأفراد، وكان يقرب العلماء والصلحاء والشجعان والأشراف وينزلهم منازلهم ولكن من خالف أمره أدنى مخالفة استباح دمه، فكانت هيبته لا تدانى بهذا السبب، وما اخرب البلاد إلا بذلك لأنه كان من أطاعه في أول وهلة أمن، ومن خالفه أدنى مخالفة وهن. وكان له فكر صائب ومكايد في الحرب عجيبة وفراسة قلَّ أن تخطئ، وكان عارفاً بالتواريخ لإدمانه على سماعه، لأنه لا يخلو مجلسه عن قراءة شيء منها سفراً وحضراً، وكان مغرى بمن له معرفة بصناعة ما إذا كان حاذقاً بها، وكان أمياً لا يحسن الكتابة، وكان حاذقاً باللغة الفارسية والتركية والمغلية خاصة، وكان بقدم قواعد جنكز خان ويجعلها أصلاً ولذلك أفتى جمع جم بكفره مع أن شعائر الإسلام في بلاد ظاهرة، وكان له جواسيس في جميع البلاد التي ملكها والتي لم يملكها وكانوا ينهون إليه الحوادث الكائنة على جليتها ويكاتبونه بجميع ما يروم فلا يتوجه إلى جهة إلا وهو على