للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البهتان والزور والنسبة إلى الزنا، وذلك مهلك لهم. والله أعلم.

وقد قال الله ﷿ في حقّ من افترى على عائشة : ﴿وَالَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: ١١] وقال: ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ﴾ [النور: ١٥] وقد اختلف في مريم ؛ هل هي صدّيقة لقوله تعالى:

﴿وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ﴾ [المائدة: ٧٥] أو نبيّة لقوله تعالى: ﴿فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا﴾ [مريم: ١٧]، وقوله: ﴿وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اِصْطَفاكِ﴾ [آل عمران: ٤٢] الآية (١). وعليه فيكون الافتراء عليها أعظم والبهتان في حقها أشد، وفيه يكون الهلاك حقّا. فعلى هذا الحد الذي ذكرناه من التأويلين يكون تمني الموت في حقها جائزا، والله أعلم.

وأما الحديث؛ فإنما هو خبر أن ذلك سيكون لشدّة ما ينزل بالناس من فساد الحال في الدين، وضعفه وخوف ذهابه، لا لضرّ ينزل بالمرء في جسمه، أو غير ذلك، من ذهاب ماله مما يحط به عنه خطاياه. ومما يوضح هذا المعنى ويبينه قوله : «اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بالناس - ويروى أدرت - في الناس فتنة فاقبضني إليك غير مفتون» رواه مالك (٢).


(١) والاختلاف الذي ذكره المصنف حول نبوة مريم ؛ كثر فيه كلام أهل العلم، وقد نصر المصنف وكذا شيخه أبو العباس أحمد بن عمر القرطبي القول الذي يقول بأن مريم بنت عمران نبيّة، صرّح المصنف بذلك في تفسيره «الجامع لأحكام القرآن» (٤/ ٨٣ - ٨٤) وبه قال شيخه أبو العباس من قبله كما في «المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم» (٣٣٢/ ٦)، ونصر هذا المذهب ابن حزم كما في «الفصل في الملل والنحل» وأبو الحسن الأشعري، ويبدو من كلام الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (٦/ ٥١٥ - ٥١٦، ٥٤٦) نصرته لهذا المذهب.
والذي عليه جمهور العلماء خلاف هذا القول؛ قال الحافظ النووي في «شرح صحيح مسلم» (١٥/ ١٩٨ - ١٩٩): «والجمهور على أنهما ليستا - أي مريم وآسية امرأة فرعون - نبيتين، بل هما صديقتان ووليتان من أولياء الله تعالى» ثم قال بعد أن نقل قول القاضي عياض: «وهذا الذي نقله من القول بنبوتهما غريب ضعيف، وقد نقل جماعة الإجماع على عدمها، والله أعلم»، وانظر «الأذكار» له ص ١٧٨.
وذكر شيخ الإسلام عن الباقلاني والقاضي أبي يعلى والجويني، الإجماع على عدم نبوة النساء. «مجموعة الفتاوى» - الطبعة الجديدة - (٤/ ٢٤٢ و ١١/ ١٩٩ و ١٨/ ١٥٠) وغيرها، وانظر «تفسير ابن كثير» (٢/ ١١٣).
(٢) في «الموطأ» بلاغا (١٤٢/ ٤٠/١) ١٥ - كتاب القرآن، (٩) - باب العمل في الدعاء. وأخرجه أحمد (١/ ٣٦٨) والترمذي (٣٢٣٣) وعبد بن حميد في «المنتخب من المسند» (٦٨٢).
من طريق: عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن ابن عباس؛ ضمن حديث طويل. -

<<  <  ج: ص:  >  >>