للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل]

قلت: هذا الباب والذي قبله يدل على أن الناس يحشرون حفاة عراة غرلا، أي: غير مختونين ﴿كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾ [الأنبياء: ١٠٤]. قال العلماء:

يحشر العبد غدا وله من الأعضاء ما كان له يوم ولد، فمن قطع منه عضو يرد في القيامة عليه، حتى الختان.

وقد عارض هذا الباب ما روى أبو داود في «سننه» عن أبي سعيد الخدري لما حضرته الوفاة دعا بثياب جدد فلبسها وقال: سمعت رسول الله يقول: «إن الميت يبعث في ثيابه التي دفن فيها» (١). قال أبو عمر بن عبد البر: «وقد احتجّ بهذا الحديث من قال: إن الموتى يبعثون جملة على هيئاتهم. وحمله الأكثر من العلماء على الشهيد الذي أمر أن يزمّل في ثيابه، ويدفن فيها ولا يغسل عنه دمه، ولا يغير عليه شيء من حاله، بدليل حديث ابن عباس وعائشة ، قالوا: ويحتمل أن يكون أبو سعيد سمع الحديث في الشهيد فتأوله على العموم، والله أعلم».

قلت: ومما يدل على قول الجماعة مما يوافق حديث عائشة وابن عباس قوله الحق: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [الأنعام: ٩٤] وقوله: ﴿كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾ [الأعراف: ٢٩]. ولأن الملابس في الدنيا أموال، ولا مال في الآخرة، زالت الأملاك بالموت، وبقيت الأموال في الدنيا، وكل نفس يومئذ فإنما يقيها المكاره ما وجب لها بحسن عملها، أو رحمة مبتدأة من الله عليها، فأما الملابس فلا غنى فيها يومئذ إلا ما كان من لباس الجنة، على ما تقدم في الباب قبل.

وذهب أبو حامد في كتاب «كشف علوم الآخرة» إلى حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال: «بالغوا في أكفان موتاكم فإن أمتي تحشر بأكفانها وسائر الأمم عراة» (٢). ورواه أبو سفيان مسندا.

قال المؤلف : وهذا الحديث لم أقف عليه، والله أعلم بصحته، وإن صح فيكون معناه: فإن أمتي الشهداء تحشر بأكفانها، حتى لا تتناقض الأخبار، والله أعلم.

ولا يعارض هذا الباب ما تقدم أول الكتاب من أن الموتى يتزاورون في قبورهم بأكفانهم، فإن ذلك يكون في البرزخ، فإذا قاموا من قبورهم خرجوا عراة ما عدا الشهداء، والله أعلم.


(١) أخرجه أبو داود (٣١١٤) وهو صحيح.
(٢) لم أقف عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>