للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سعّرت النار، وجاءت الفتن كأنها قطع الليل المظلم، لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» (١).

قال أبو الحسن القابسي: هذا وإن كان مرسلا فإنه من جيد المراسيل، وعبيد بن عمير من أئمة المسلمين.

(مسلم) عن سالم بن عبد الله أنه قال: يا أهل العراق ما أسألكم عن الصغيرة وأركبكم للكبيرة! سمعت أبي عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله يقول: «إن الفتنة تجيء من هاهنا» وأومأ بيده نحو المشرق «من حيث يطلع قرنا الشيطان»، وأنتم يضرب بعضكم رقاب بعض، وإنما قتل موسى الذي قتل من آل فرعون خطأ، فقال الله تعالى له: ﴿وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنّاكَ فُتُوناً﴾ (٢) [طه: ٤٠].

وعن معقل بن يسار عن النبي قال: «العبادة في الهرج كهجرة إليّ» (٣).

[فصل]

قوله: «ويل للعرب من شر قد اقترب»؛ قد تقدم معنى الويل، والمراد به هنا:

الحزن، قاله ابن عرفة. فأخبر بما يكون بعده من أمر العرب وما يستقبلهم من الويل والحرب. وقد وجد ذلك بما استؤثر عليهم به من الملك والدولة والأموال والإمارة فصار ذلك في غيرهم من التّرك والعجم، وتشتتوا في البراري بعد أن كان العزّ والملك والدنيا لهم ببركته ، وما جاءهم به من الدين والإسلام، فلما لم يشكروا النعمة وكفروها بقتل بعضهم بعضا، وسلب بعضهم أموال بعض؛ سلبها الله منهم ونقلها إلى غيرهم. كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ﴾ [محمد: ٣٨] ولهذا لما قالت زينب في سياق الحديث: «أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث».

[فصل]

قال علماؤنا رحمة الله عليهم: قولها: «أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث»؛ دليل على أن البلاء قد يرفع عن غير الصالحين إذا كثر الصالحون.

فأما إذا كثر المفسدون وقلّ الصالحون هلك المفسدون والصالحون معهم، إذا لم يأمروا بالمعروف ويكرهوا ما صنع المفسدون، وهو معنى قوله: ﴿وَاِتَّقُوا﴾


(١) أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٣٦/ ١٩٠٤١/١٥) بإسناد رجاله ثقات؛ لكنه مرسل.
(٢) أخرجه البخاري (٧٠٩٢) ومسلم (٢٩٠٥).
(٣) أخرجه مسلم (٢٩٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>