للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي في لونه بياض إلى سواد. ومنه قيل للرماد أورق، والحمامة ورقاء. ذكره الأصمعي. قال: وهو أطيب الإبل لحما وليس بمحمود عند العرب في عمله وسيره. وأما «الثقال» فهو البطيء قال أبو عبيد: إنما خص عبد الله الأورق من الإبل لما ذكر من ضعفه عن العمل، ثم اشترط الثقال أيضا فزاده إبطاء وثقلا، فقال: كن في الفتنة مثل ذلك، وهذا إذا دخل عليك وإنما أراد عبد الله بهذا التثبط عن الفتنة والحركة فيها.

[فصل]

وأما أمره أبا ذر بلزوم البيت وتسليم النفس للقتل؛ فقالت طائفة ذلك عند جميع الفتن، وغير جائز لمسلم النهوض في شيء منها، قالوا: وعليه أن يستسلم للقتل إذا أريدت نفسه ولا يدفع عنها، وحملوا الأحاديث على ظاهرها، وربما احتجوا من جهة النظر بأن قالوا: إن كل فريق من المقتتلين في الفتنة فإنه يقاتل على تأويل وإن كان في الحقيقة خطأ فهو عند نفسه محق، وغير جائز لأحد قتله، وسبيله سبيل حاكم من المسلمين يقضي بقضاء مما اختلف فيه العلماء على ما يراه صوابا، فغير جائز لغيره من الحكام نقضه إذا لم يخالف بقضائه ذلك كتابا ولا سنة ولا جماعة، وكذلك المقتتلون في الفتنة كل حزب منهم عند نفسه محقّ دون غيره مما يدعون من التأويل، فغير جائز لأحد قتالهم، وإن هم قصدوا لقتله فغير جائز دفعهم، وقد ذكرنا من تخلّف عن الفتنة وقعدوا منهم: عمران بن الحصين، وابن عمر، وقد روي عنهما وعن غيرهما منهم عبيدة السلماني أن من اعتزل الفريقين فدخل بيته فأتى من يريد نفسه فعليه دفعه عن نفسه، وإن أبى الدفع عن نفسه فغير مصيب، كقوله : «من أريدت نفسه وماله فقتل فهو شهيد» (١). قالوا: فالواجب على كل من أريدت نفسه وماله فقتل ظلما دفع ذلك ما وجد إليه السبيل متأولا كان المريد أو متعمدا للظلم.

قلت: هذا هو الصحيح من القولين - إن شاء الله تعالى - وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي فقال: يا رسول الله؛ أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: «فلا تعطه مالك»، قال أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: «هو في النار» (٢).

وقال ابن المنذر: ثبتت الأخبار عن رسول الله أنه قال: «من قتل دون ماله


(١) أخرجه الترمذي (١٤٢٠) وغيره، وصححه الألباني.
(٢) أخرجه مسلم (١٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>