الآدميين، ولا خلق الملائكة، ولا خلق الطير، ولا خلق البهائم، ولا خلق الهوام، بل هما خلق بديع، وليس في خلقتهما أنس للناظرين إليهما، جعلهما الله تكرمة للمؤمن يثبته وينصره، وهتكا لستر المنافق في البرزخ من قبل أن يبعث حتى يحل عليه العذاب. قاله أبو عبد الله الترمذي.
[فصل]
إن قال قائل: كيف يخاطب الملكان جميع الموتى وهم مختلفو الأماكن متباعدو القبور في الوقت الواحد، والجسم الواحد، لا يكون في المكانين في الوقت الواحد؟ وكيف تنقلب الأعمال أشخاصا وهي في نفسها أعراض؟
فالجواب عن الأول: ما جرى ذكره في هذا الخبر من عظم جثتيهما فيخاطبان الخلق الكثير الذين في الجهة الواحدة منهم في المرة الواحدة، مخاطبة واحدة، يخيل لكل واحد أن المخاطب هو دون سواه. ويكون الله يمنع سمعه من مخاطبة الموتى لهما ويسمع هو مخاطبتهما أن لو كانوا معه في قبر واحد، وقد تقدم أن عذاب القبر يسمعه كل شيء إلاّ الثقلين. والله ﷾ يسمع من يشاء، وهو على كل شيء قدير.
والجواب عن الثاني: أن الله يخلق من ثواب الأعمال أشخاصا حسنة وقبيحة، لا أن العرض نفسه ينقلب جوهرا إذ ليس من قبيل الجواهر. ومثل هذا ما صح في الحديث:«أنه يؤتى بالموت كأنه كبش أملح فيوقف على الصراط فيذبح»(١). ومحال أن ينقلب الموت كبشا لأن الموت عرض، وإنما المعنى أن الله سبحانه يخلق شخصا يسمّيه الموت فيذبح بين الجنة والنار! وهكذا كلما ورد عليك في هذا الباب، التأويل فيه ما ذكرت لك، والله سبحانه أعلم.
وسيأتي له مزيد بيان إن شاء الله تعالى.
***
[٥١ - باب اختلاف الآثار في سعة القبر على المؤمنين بالنسبة إلى أعمالهم]
جاء في حديث البخاري ومسلم:«أنه يفسح له سبعون ذراعا» وفي الترمذي: