للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر أبو نعيم الحافظ، من حديث محمد بن واسع، عن الحسن، عن جابر بن عبد الله قال: خرج علينا رسول الله ذات يوم فقال:

«ألا أخبركم بغرف الجنة»؟ قلنا: بلى؛ بأبينا وأمنا يا رسول الله. قال: «إن في الجنة غرفا من ألوان الجواهر يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، فيها من النعيم والثواب والكرامات ما لا أذن سمعت، ولا عين رأت». فقلنا: بأبينا أنت وأمّنا يا رسول الله؛ لمن تلك؟ فقال: «لمن أفشى السلام، وأدام الصيام، وأطعم الطعام، وصلى والناس نيام». فقلنا: بأبينا أنت وأمّنا يا رسول الله؛ ومن يطيق ذلك؟ فقال:

«أمتي تطيق ذلك، وسأخبركم من يطيق ذلك؛ من لقي أخاه المسلم فسلّم عليه فقد أفشى السلام، ومن أطعم أهله وعياله من الطعام حتى أشبعهم فقد أطعم الطعام، ومن صام رمضان ومن كل شهر ثلاثة أيام فقد أدام الصيام، ومن صلى العشاء الأخيرة في جماعة فقد صلى والناس نيام، واليهود، والنصارى، والمجوس» (١).

[فصل]

اعلم أن هذه الغرف مختلفة في العلو والصفة بحسب اختلاف أصحابها في الأعمال، فبعضها أعلى من بعض وأرفع. وقوله: «الغائر من المشرق أو المغرب» يروى بالياء؛ اسم فاعل، من غار. وقد روى مسلم «في غير الغارب بتقديم الراء» والمعنى واحد. وروى «الغابر» بالباء بواحدة، ومعناه: الذاهب أو الباقي، فإن غبر من الأضداد، يقال: غبر إذا ذهب، وغبر إذا بقي، ويعني به أن الكوكب حالة طلوعه وغروبه بعيد عن الأبصار فيظهر صغيرا لبعده، وقد بيّنه بقوله: «من المشرق أو المغرب». وقد روي «العازب» بالعين المهملة والزاي، أي: البعيد، ومعانيها كلها متقاربة المعنى.

وقوله: «والذي نفسي بيده؛ رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين» ولم يذكر عملا ولا شيئا سوى الإيمان والتصديق للمرسلين، ذلك ليعلم أنه عنى الإيمان البالغ، وتصديق المرسلين من غير سؤال آية ولا تلجلج، وإلا فكيف تنال الغرفات بالإيمان والتصديق الذي للعامة؟ ولو كان كذلك كان جميع الموحّدين في أعالي الغرفات وأرفع الدرجات، وهذا محال، وقد قال الله تعالى: ﴿أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا﴾ والصبر: بذل النفس والثبات له وقوفا بين يديه بالقلوب عبودية، وهذه صفة المقرّبين. وقال في آية أخرى: ﴿وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلاّ مَنْ﴾


(١) أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (٢/ ٣٥٦) والبيهقي في «البعث» (٢٥٣) وابن السماك في «فوائده» كما في «حادي الأرواح» ص ٢٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>