وأما قوله:«من أراد أهل المدينة بسوء»؛ فذلك محمول على زمانه وحياته، كما في الحديث الآخر:«لا يخرج أحد منهم رغبة عنها إلا أخلف الله فيها خيرا منه» وقد خرج منها بعد موته ﷺ من الصحابة من لم يعوضها الله خيرا منه، فدل على أن ذلك محمول على حياته، فإن الله تعالى كان يعوض أبدا رسول ﷺ خيرا ممن رغب عنه وهذا واضح، ويحتمل أن يكون قوله:«أذابه الله» كناية عن إهلاكه في الدنيا قبل موته، وقد فعل الله ذلك بمن غزاها وقاتل أهلها؛ كمسلم بن عقبة إذ أهلكه الله عند منصرفه عنها إلى مكة لقتال عبد الله بن الزبير، بلاه الله بالماء الأصفر في بطنه، فمات بقديد بعد الوقعة بثلاث.
وقال الطبري: مات بهرشى وذلك بعد الوقعة بثلاث ليال، وهرشى جبل من بلاد تهامة على طريق الشام والمدينة قريب من الجحفة.
وكإهلاك يزيد بن معاوية إثر إغرائه أهل المدينة حرم النبي المختار وقتله بها بقايا المهاجرين والأنصار، فمات بعد هذه الوقعة وإحراق الكعبة بأقل من ثلاثة أشهر، ولأنه توفّي بالذبحة وذات الجنب في نصف ربيع الأول بحوارين من قرى حمص، وحمل إلى دمشق وصلى عليه ابنه خالد. وقال المسعودي: صلى عليه ابنه معاوية ودفن في مقبرة باب الصغير، وقد بلغ سبعا وثلاثين سنة، فكانت ولايته ثلاث سنين وثمانية أشهر واثنى عشر يوما.
[فصل]
وأما قوله:«تتركون المدينة»؛ حدثنا المخاطب فمراده غير المخاطبين، لكن نوعهم من أهل المدينة أو نسلهم، وعلى خير ما كانت عليه فيما قيل، وقد وجد هذا الذي قاله النبي ﷺ وذلك أنها صارت بعده ﷺ معدن الخلافة وموضعها، ومقصد الناس وملجأهم ومعقلهم، حتى تنافس الناس فيها وتوسّعوا في خططها وغرسوا وسكنوا منها ما لم يسكن قبل، وبنوا فيها وشيدوا حتى بلغت المساكن أهاب، فلما انتهت حالها كمالا وحسنا، تناقص أمرها إلى أن أقفرت جهاتها بتغلّب الأعراب عليها، وتوالي الفتن فيها، فخلف أهلها وارتحلوا عنها، وصارت الخلافة بالشام ووجه يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة المزي في جيش عظيم من أهل الشام، فنزل بالمدينة فقاتل أهلها فهزمهم وقتلهم بحرّة المدينة قتلا ذريعا، واستباح المدينة ثلاثة أيام، فسمّيت وقعة الحرة لذلك، وفيه يقول الشاعر:
فإن تقتلونا يوم حرّة واقم … فإنا على الإسلام أول من قتل