فتفكر الآن فيما يحلّ بك من الفزع بفؤادك إذا رأيت الصراط ودقته، ثم وقع بصرك على سواد جهنم من تحته، ثم قرع سمعك شهيق النار، وتغيظها، وقد كلفت أن تمشي على الصراط مع ضعف حالك، واضطراب قلبك، وتزلزل قدمك وثقل ظهرك بالأوزار المانعة لك من المشي على بساط الأرض، فضلا عن حدة الصراط فكيف بك إذا وضعت عليه إحدى رجليك فأحسست بحدته، واضطررت إلى أن ترفع القدم الثاني، والخلائق بين يديك يزلون ويعثرون، وتناولهم زبانية النار بالخطاطيف والكلاليب، وأنت تنظر إليهم كيف ينكّسون فتسفل إلى جهة النار رؤوسهم، وتعلو أرجلهم، فيا له من منظر ما أفظعه، ومرتقى ما أصعبه، ومجاز ما أضيقه.
[فصل]
ذهب بعض من تكلم على أحاديث هذا الباب في وصف الصراط بأنه أدق من الشعر وأحدّ من السيف أن ذلك راجع إلى يسره وعسره على قدر الطاعات والمعاصي. ولا يعلم حدود ذلك إلاّ الله تعالى لخفائها وغموضها. وقد جرت العادة بتسمية الغامض الخفي: دقيقا. فضرب المثل له بدقة الشعر. فهذا والله أعلم من هذا الباب.
ومعنى قوله:«وأحدّ من السيف»: أن الأمر الدقيق الذي يصعد من عند الله تعالى إلى الملائكة في إجازة الناس على الصراط يكون في نفاذ حد السيف ومضيه إسراعا منهم إلى طاعته وامتثاله. ولا يكون له مرد كما أن السيف إذا نفذ بحدة وقوة ضاربه في شيء لم يكن بعد ذلك مرد.
وإما أن يقال: إن الصراط نفسه أحدّ من السيف وأدق من الشعر، فذلك مدفوع بما وصف من أن الملائكة يقومون بجنبيه وأن فيه كلاليب وحسكا، أي أن من يمر عليه يقع على بطنه، ومنهم من يزل ثم يقوم. وفيه أن من الذين يمرون عليه من يعطى النور بقدر موضع قدميه. وفي ذلك إشارة إلى أن للمارين عليه مواطئ الأقدام، ومعلوم أن رقة الشعر لا يحتمل هذا كله. وقال بعض الحفاظ: إن هذه اللفظة ليست بثابتة.
قال المؤلف: ما ذكره القائل مردود بما ذكرنا من الأخبار وأن الإيمان يجب بذلك. وأن القادر على إمساك الطير في الهواء قادر على أن يمسك عليه المؤمن فيجريه أو يمشيه، ولا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز إلا عند الاستحالة ولا استحالة في ذلك، للآثار الواردة في ذلك وثباتها بنقل الأئمة العدول ﴿وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ﴾ [النور: ٤٠].