للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿أُخْرى﴾ [الزمر: ٦٨] ولم يقل: فيها، فعلم أنه ليس جمع صورة. قال الكلبي: لا أدري ما الصور؟ ويقال: هو جمع صورة مثل بسرة وبسر، أي: ينفخ في صور الموتى الأرواح. وقرأ الحسن: ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ﴾ [الأنعام: ٧٣].

قلت: وإلى هذا التأويل في أن الصور بمعنى الصّور جمع صورة؛ ذهب أبو عبيدة معمر بن المثنى وهو مردود بما ذكرنا. وأيضا لا ينفخ في الصور للبعث مرتين بل ينفخ مرة واحدة، وإسرافيل ينفخ في الصور الذي هو القرن، والله سبحانه يحيي الصور فينفخ فيها الروح، كما قال تعالى: ﴿فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا﴾ [التحريم: ١٢] ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾ [ص: ٧٢]. قال ابن زيد: يخلق الله الناس في الأرض الخلق الآخر، ثم يأمر السماء فتمطر عليهم أربعين يوما، فينبتون فيها حتى تنشق عن رؤوسهم كما تنشق عن رأس الكمأة، فمثلها يومئذ مثل الماخض تنتظر أن يأتيها أمر الله فتطرحهم على ظهرها، فلما كانت تلك النفخة طرحتهم.

قال علماؤنا: والأمم مجمعون على أن الذي ينفخ في الصور إسرافيل .

قلت: قد جاء حديث يدل على أن الذي ينفخ في الصور غير إسرافيل؛ خرّجه أبو نعيم الحافظ قال: حدّثنا سليمان، قال: حدّثنا أحمد بن القاسم، قال:

حدّثنا عفان بن مسلم، قال: حدّثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن عبد الله بن الحارث قال: كنت عند عائشة وعندها كعب الأحبار فذكر كعب إسرافيل فقالت عائشة: يا كعب أخبرني عن إسرافيل؟ فقال كعب عندكم العلم قالت: أجل فأخبرني. فقال: «له أربعة أجنحة جناحان في الهواء، وجناح قد تسربل به، وجناح على كاهله، والعرش على كاهله، والقلم على أذنه، فإذا نزل الوحي كتب القلم، ثم درست الملائكة، وملك الصور جاث على إحدى ركبتيه، وقد نصب الأخرى، ملتقم الصور، محنيا ظهره، شاخصا ببصره، ينظر إلى إسرافيل، وقد أمر إذا رأى إسرافيل قد ضم جناحيه أن ينفخ في الصور». قالت عائشة: هكذا سمعت رسول الله يقول (١).

غريب من حديث كعب لم يروه عنه إلا عبد الله بن الحارث ورواه خالد الحذاء عن الوليد أبي بشر عن عبد الله بن رباح عن كعب نحوه.

[فصل]

قلت: وما خرج أبو عيسى الترمذي وغيره يدل على أن صاحب الصور إسرافيل ينفخ فيه وحده (٢). وحديث أبي عبد الله محمد بن يزيد بن


(١) إسناده ضعيف، ومتنه منكر.
(٢) حديث الترمذي قد تقدم وهو حديث صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>