للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل]

لا تظن - يرحمك الله - أن هذا معارض للحديث المرفوع: «أنه يسلّط على الكافر أعمى أصم»، فإن أحوال الكفار تختلف، فمنهم من يتولى عقوبته واحد، ومنهم من يتولى عقوبته جماعة، وكذلك فلا تناقض بين هذا وبين أكل الحيّات لحمه، فإنه يمكن أن يتردد بين هذين العذابين كما قال تعالى: ﴿هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ * يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ﴾ [الرحمن: ٤٣، ٤٤] فمرة يطعمون الزقوم، وأخرى يسقون الحميم، ومرة يعرضون على النار، وأخرى على الزمهرير. أجارنا الله من عذاب القبر، ومن عذاب النار برحمته وكرامته. وآخر يفرش له لوحان من نار، وآخر يقال له: نم نومة المنهوس. كما أخرجه علي بن معبد عن أبي حازم عن أبي هريرة موقوفا قال: «إذا وضع الميت في قبره أتاه آت من ربه فيقول له: من ربك؟ فإن كان من أهل التثبيت ثبت، وقال: الله ربي. ثم يقال له ما دينك؟ فيقول:

الإسلام، فيقول: من نبيك؟ فيقول محمد ، فيرى بشراه ويبشر، فيقول دعوني أرجع إلى أهلي فأبشرهم فيقال له: نم قرير العين إنّ لك إخوانا لم يلحقوا. وإن كان من غير أهل الحق والتثبيت قيل له: من ربك؟ فيقول: هاه، كالواله، ثم يضرب بمطراق يسمع صوته الخلق إلاّ الجن والإنس. ويقال له: نم كنومة المنهوس» (١).

قال أهل اللغة: المنهوس بالسين المهملة: الملسوع نهسته الحية تنهسه.

قال الراجز:

وذات قرنين طحون الضرس … تنهس لو تمكنت من نهس

تدير عينا كشهاب القبس (٢)

والمنهوس مرة ينتبه لشدة الألم عليه، ومرة ينام كالمغمى عليه.

قال النابعة:

فبتّ كأني ساورتني ضئيلة … من الرّقش في أنيابها السمّ ناقع

تسهّد من ليل التمام سليمها … كحلي النساء في يديه قعاقع

يبادرها الراقون من سوء سمّها … تطلقه طورا وطورا تراجع

***


(١) تقدّم ذكره.
(٢) انظر «لسان العرب» (١٤/ ٣٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>