بخروج المني الذي هو طاهر عند بعض الصحابة، وكثير من الأئمة، وأوجب غسل الأطراف من الغائط الذي لا خلاف بين الأئمة وسائر من يقول بالعقل وغيره في نجاسته وقذارته ونتنه، وأوجب بريح يخرج من موضع الحدث ما أوجب بخروج الغائط الكثير المتفاحش، فبأيّ عقل يستقيم هذا، وبأي رأي تجب مساواة ريح ليس له عين قائمة بما يقوم عينه وتزيد على الريح نتنا وقذرا؟ وقد أوجب الله قطع يمين مؤمن بعشرة دراهم، وعند بعض الفقهاء بثلاثة دراهم ودون ذلك، ثم سوّى بين هذا القدر من المال وبين مائة ألف دينار، فيكون القطع فيها سواء؟ وأعطى الأم من ولدها الثلث، ثم إن كان للمتوفى إخوة، جعل لها السدس من غير أن ترث الإخوة من ذلك شيئا، فبأي عقل يدرك هذا؟ إلا تسليما وانقيادا من صاحب الشرع، إلى غير ذلك. فكذلك القصاص بالحسنات والسيئات، وقد قال وقوله الحق: ﴿وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ﴾ [الأنبياء: ٤٧] الآية وقال:
﴿وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى﴾ أي: لا تحمل حاملة ثقل أخرى إذا لم تتعد، فإذا تعدت واستطالت بغير ما أمرت فإنها تحمل عليها ويؤخذ منها بغير اختيارها كما تقدم في أسماء القيامة عند قوله تعالى: ﴿وَاِتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً﴾ [البقرة: ٤٨].
[فصل]
وإذا تقرر هذا؛ فيجب على كل مسلم البدار إلى محاسبة نفسه، كما قال عمر ﵁:«حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا»(١). وإنما حسابه لنفسه؛ أن يتوب عن كل معصية قبل الموت توبة نصوحا، ويتدارك ما فرّط من تقصير في فرائض الله ﷿، ويردّ المظالم إلى أهلها حبة حبة، ويستحل كل من تعرض له بلسانه ويده وسوء ظنه بقلبه، ويطيب قلوبهم حتى يموت ولم يبق عليه فريضة ولا مظلمة، فهذا يدخل الجنة بغير حساب، فإن مات قبل رد المظالم أحاط به خصماؤه، فهذا يأخذ بيده، وهذا يقبض على ناصيته، وهذا يتعلق بلبته، وهذا يقول ظلمتني، وهذا يقول شتمتني، وهذا يقول استهزأت بي، وهذا يقول ذكرتني في الغيبة بما يسوؤني، وهذا يقول جاورتني فأسأت جواري، وهذا يقول عاملتني فغششتني، وهذا يقول بايعتني وأخفيت عني عيب متاعك، وهذا يقول كذبت في سعر متاعك، وهذا يقول رأيتني محتاجا وكنت غنيا فما أطعمتني، وهذا يقول وجدتني مظلوما وكنت قادرا