وقد وردت أخبار منها: ما رواه النعمان بن سعد، عن علي ﵁، عن النبي ﷺ في قوله تعالى: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً﴾، قال:«أما إنهم ما يحشرون على أقدامهم، ولا يساقون سوقا، ولكنهم يؤتون بنوق من نوق الجنة، لم تنظر الخلائق إلى مثلها، رحالها الذهب، وأزمتها الزبرجد، فيقعدون عليها حتى يقرعوا باب الجنة».
وسمي المتقون وفدا لأنهم يسبقون الناس إلى حيث يدعون إليه، فهم لا يتباطئون لكنهم يجدون ويسرعون، والملائكة تتلقاهم بالبشارات. قال الله تعالى: ﴿وَتَتَلَقّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٣] فيزيدهم ذلك إسراعا، وحق للمتقين أن يسبقوا لسبقهم في الدنيا بالطاعات ﴿وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً﴾ [مريم: ٨٦] أي: عطاشا، وقال: ﴿وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً﴾ [طه: ١٠٢]. وقال: ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا﴾ [الإسراء: ٩٧] وقال: ﴿الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً﴾ [الفرقان: ٣٤].
(مسلم) عن أنس؛ أن رجلا قال: يا رسول الله! الذين يحشرون على وجوههم أيحشر الكافر على وجهه؟ قال رسول الله ﷺ:«أليس الذي أمشاه على الرجلين قادرا أن يمشيه على وجهه يوم القيامة؟» قال قتادة حين بلغه: بلى وعزة ربنا (١). أخرجه البخاري أيضا.
[فصل]
قال أبو حامد -: وذكر هذا الفصل -: وفي طبع الآدمي إنكار ما لم يأنس به ولم يشاهده؛ ولو لم يشاهد الإنسان الحية وهي تمشي على بطنها؛ لأنكر المشي من غير رجل، والمشي بالرجل أيضا مستبعد عند من لم يشاهد ذلك، فإياك أن تنكر شيئا من عجائب يوم القيامة لمخالفتها قياس الدنيا، فإنك لو لم تشاهد عجائب الدنيا ثم عرضت عليك قبل المشاهدة لكنت أشد إنكارا لها، فأحضر - رحمك الله - في قلبك صورتك وأنت قد وقفت عاريا ذليلا مدحورا متحيرا مبهوتا منتظرا لما يجري عليك من القضاء، بالسعادة أو بالشقاء.