للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال المؤلف : ما ذكره القاضي عياض من أن ذلك في الدنيا، أظهر - والله أعلم - لما في الحديث نفسه من ذكر المساء والمبيت والصباح والقائلة، وذلك ليس في الآخرة. وقد خرّج الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : «يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف؛ صنفا مشاة، وصنفا ركبانا، وصنفا على وجوههم». قيل: يا رسول الله! كيف يمشون على وجوههم؟ قال: «إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر أن يمشيهم على وجوههم، أما أنهم يتقون بوجوههم كلّ حدب وشوك» (١). قال هذا حديث حسن.

فقوله: «يتقون بوجوههم كل حدب وشوك» يدل على أنه في الدنيا إذ ليس في الآخرة ذلك، على ما يأتي من صفة أرض المحشر، والله أعلم.

وخرّج النسائي عن أبي ذر قال: «إن الصادق المصدوق حدثني؛ أن الناس يحشرون ثلاثة أفواج؛ فوجا راكبين طاعمين كاسين، وفوجا تسحبهم الملائكة على وجوههم وتحشرهم النار فوجا يمشون ويسعون، يلقي الله الآفة على الظهر، فلا تبقى، حتى إن الرجل لتكون له الحديقة يعطيها بذات القتب لا يقدر عليها» (٢).

وذكر عمر بن شبة في «كتاب المدينة» - على ساكنها السلام - عن أبي هريرة قال: «آخر من يحشر رجلان؛ رجل من جهينة وآخر من مزينة، فيقولان:

أين الناس؟ فيأتيان المدينة، فلا يريان إلا الثعلب، فينزل إليهما ملكان؛ فيسحبانهما على وجوههما حتى يلحقاهما بالناس» (٣).

وهذا كله مما يدل على أن ذلك في الدنيا، كما قال القاضي عياض، وأما الآخرة؛ فالناس أيضا مختلفو الحال على ما ذكروه، وسنذكر من ذلك ما فيه كفاية في الباب بعد هذا إن شاء الله.

والحشر الثالث: حشرهم إلى الموقف - على ما يأتي بيانه في الباب بعد هذا - إن شاء الله، قال الله تعالى: ﴿وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً﴾ [الكهف: ٤٧].

والرابع: حشرهم إلى الجنة والنار، قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً﴾ [مريم: ٨٥] أي: ركبانا على النّجب. وقيل: على الأعمال كما تقدم.


(١) حديث ضعيف؛ تقدّم تخريجه في الحديث السابق.
(٢) أخرجه أحمد (٥/ ١٦٤ - ١٦٥) والنسائي (٤/ ١١٦) وهو في «ضعيف الجامع» (١٨٠١).
(٣) أخرجه ابن شبّه في «أخبار المدينة» (١/ ٢٧٨ - ٢٧٩) بإسناد فيه رجل مبهم، وفي الإسناد أيضا عطاء بن السائب؛ «صدوق اختلط». فالإسناد ضعيف، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>