يقول العبد الفقير إلى ربه، المتنصل من ذنبه، الراجي رحمة ربه؛ محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي الأندلسي ثم القرطبي. غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين أجمعين أمين.
الحمد لله العليّ الأعلى، الوليّ المولى، الذي خلق فأحيا، وحكم على خلقه بالموت والفناء، والبعث إلى دار الجزاء، والفصل والقضاء «لتجزى كلّ نفس بما تسعى». كما قال في كتابه جل وعلا: ﴿إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى * جَنّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكّى﴾ [طه: ٧٤ - ٧٦].
وبعد: فإني رأيت أن أكتب كتابا وجيزا، يكون تذكرة لنفسي، وعملا صالحا بعد موتي، في ذكر الموت، وأحوال الموتى، وذكر الحشر والنشر، والجنة والنار، والفتن والأشراط، نقلته من كتب الأئمة، وثقات أعلام هذه الأمة، حسب ما رويته أو رأيته. وسترى ذلك منسوبا مبيّنا، إن شاء الله تعالى. وسمّيته:«كتاب التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة». وبوّبته بابا بابا، وجعلت عقب كل باب فصلا أو فصولا، أذكر فيه ما يحتاج إليه، من بيان غريب، أو فقه في حديث، أو إيضاح مشكل، لتكمل فائدته، وتعظم منفعته؛ إذ التفقّه في حديث رسول الله ﷺ هو المعنى المقصود، والرأي المحمود، والعمل الموجود في المقام المحمود واليوم المشهود. جعله الله خالصا لوجهه، ومقرّبا من رحمته، بمنّه وكرمه، لا ربّ سواه ولا معبود إلا هو سبحانه.