للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل]

هذه الشفاعة العامة التي خصّ بها نبينا محمد من بين سائر الأنبياء هي المراد بقوله : «لكلّ نبي دعوة مستجابة، فتعجّل كل نبيّ دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي» (١). رواه الأئمة البخاري ومسلم وغيرهما.

وهذه الشفاعة العامة لأهل الموقف إنما هي ليعجل حسابهم ويراحوا من هول الموقف، وهي الخاصة به .

وقوله: «أقول يا رب أمتي أمتي»، اهتمام بأمر أمته وإظهار محبته وشفقته عليهم، وقوله: فيقال: «يا محمد أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه» يدل على أنه شفع فيما طلب من تعجل حساب أهل الموقف، فإنه لما أمر بإدخال من لا حساب عليه من أمته؛ فقد شرع في حساب من عليه حساب من أمته وغيرهم.

وكان طلبه هذه الشفاعة من الناس بإلهام من الله تعالى لهم حتى يظهر في ذلك اليوم مقام نبيه المحمود الذي وعده، ولذلك قال كل نبي: «لست لها لست لها» حتى انتهى الأمر إلى محمد فقال: «أنا لها».

وروى مسلم عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله :

«يجمع الله الناس يوم القيامة فيهتمون لذلك». وفي رواية: «فيلهمون فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا! قال: فيأتون آدم» (٢). وذكر الحديث.

وذكر أبو حامد أن بين إتيانهم من آدم إلى نوح ألف عام، وكذا بين كل نبي إلى محمد .

وذكر أيضا أن الناس في الموقف على طبقات مختلفة وأنواع متباينة، بحسب جرائمهم، كمانع الزكاة والغال والغادر، على ما يأتي بيانه. وآخرون قد عظمت فروجهم وهي تسيل صديدا يتأذى بنتنها جيرانهم، وآخرون قد صلبوا على جذوع النيران، وآخرون قد خرجت ألسنتهم على صدورهم أقبح ما يكون، وهؤلاء المذكورون هم الزناة واللوطية والكاذبون، وآخرون قد عظمت بطونهم كالجبال الرواسي وهم آكلو الربا، وكل ذي ذنب قد بدا سوء ذنبه. قاله في كتاب: «كشف علوم الآخرة». وذكر في آخر هذا الكتاب أن الرسل يوم القيامة على المنابر، والأنبياء والعلماء على منابر صغار، ومنبر كل رسول قدره، والعلماء العاملون على كراسي من نور، والشهداء والصالحون كقراء القرآن والمؤذنون على كثبان من


(١) أخرجه البخاري (٦٣٠٤) ومسلم (١٩٨).
(٢) أخرجه مسلم (١٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>