للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن قال: اكتراك عبدي لتحمل له حزمة، فأخذت منها عودا فتخللت به وألقيته في غير مكانه امتهانا منك بي، وأنت تعلم أني أنا الله المطلع عليك وأراك.

[فصل]

قال الله تعالى: ﴿وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾ [الإسراء: ١٣] قال الزجّاج: «ذكر العنق عبارة عن اللزوم، كلزوم القلادة للعنق». وقال إبراهيم بن أدهم: كل آدمي في عنقه قلادة يكتب فيها نسخة عمله، فإذا مات طويت، وإذا بعث نشرت، وقيل له: ﴿اِقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً﴾ [الإسراء: ١٤]. وقال ابن عباس : طائره عمله. ﴿وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً * اِقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً﴾ قال الحسن: يقرأ الإنسان كتابه أميّا كان أو غير أمي.

وقال أبو السوار العدوي - وقرأ هذه الآية: ﴿وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾ قال: هما نشرتان وطية، أما ما حييت يا ابن آدم فصحيفتك المنشورة فأمل فيها ما شئت، فإذا مت طويت حتى إذا بعثت نشرت. ﴿اِقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً﴾. فإذا وقف النّاس على أعمالهم من الصحف التي يؤتونها بعد البعث حوسبوا بها، قال الله تعالى: ﴿فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً﴾ [الانشقاق: ٧، ٨] فدلّ على أن المحاسبة تكون عند إتيان الكتب، لأن النّاس إذا بعثوا لا يكون ذاكرين لأعمالهم. قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللهُ وَنَسُوهُ﴾ [المجادلة: ٦].

وقد تقدّم القول في محاسبة الله تعالى لخلقه في يوم الحساب من أسماء القيامة، فإذا بعثوا من قبورهم إلى المواقف وقاموا فيه ما شاء الله تعالى على ما تقدم حفاة عراة، وجاء وقت الحساب الذي يريد الله أن يحاسبهم فيه، أمر بالكتب التي كتبها الكرام الكاتبون بذكر أعمال الناس، فأوتوها، فمنهم من يؤتى كتابه بيمينه، فأولئك هم السعداء، ومنهم من يؤتى كتابه بشماله أو من وراء ظهره، وهم الأشقياء، فعند ذلك يقرأ كلّ كتابه.

وأنشدوا:

مثّل وقوفك يوم العرض عريانا … مستوحشا قلق الأحشاء حيرانا

والنار تلهب من غيظ ومن حنق … تعلي العصاة وربّ العرش غضبانا

اقرأ كتابك يا عبدي على مهل … فهل ترى فيه حرفا غير ما كانا

لما قرأت ولم تنكر قراءته … إقرار من عرف الأشياء عرفانا

<<  <  ج: ص:  >  >>