للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: كمال العقل الذي نعرف به حقائق الأمور، ويفصل به بين الحسنات والسيئات، فالعاقل يعمل لآخرته، ويرغب فيما عند ربه، فهو نذير، والنذير بمعنى الإنذار والإنذار والإعذار قريب بعضه من بعض، وأكبر الإعذار إلى ابن آدم؛ بعثة الرسل إليهم، ثم الشيب أو غيره كما بيّنّا. وجعل الستين غاية الإعذار لأن الستين قريب من معترك المنايا، وهو سن الإنابة والخشوع والاستسلام لله، وترقب المنية ولقاء الله، ففيه إعذار بعد إعذار، وإنذار بعد إنذار.

الأول: بالنبي .

والثاني: بالشيب، وذلك عند كمال الأربعين، قال الله تعالى: ﴿وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ﴾ [الأحقاف: ١٥] فذكر ﷿: أن من بلغ الأربعين فقد آن له أن يعلم مقدار نعم الله عليه وعلى والديه ويشكرها.

قال مالك : أدركت أهل العلم ببلدنا وهم يطلبون الدنيا، ويخالطون الناس، حتى يأتي لأحدهم أربعون سنة، فإذا أتت عليهم اعتزلوا الناس.

تنبيه: هذا الباب هو الأصل في إعذار الحكام إلى المحكوم عليه مرة بعد أخرى، وكان هذا لطفا بالخلف ولتنفيذ القيام عليهم بالحق.

حكي عن بعض العلماء أنه كان يميل إلى الراحات كثيرا، وكان يخلو في بستان له بأصحابه، فلا يأذن لأحد سواهم، فبينما هو في البستان؛ إذ رأى رجلا يتخلل الشجر فغضب وقال: من أذن لهذا؟ وجاء الرجل فجلس أمامه وقال: ما ترى في رجل ثبت عليه حق فزعم أن له مدافعة عنه؟ فقال: ينظره الحاكم بقدر ما يرى، قال السائل:

قد ضرب له الحاكم أجلا فلم يأت بمنفعة ولا أقلع عن اللدد والمدافعة، قال: يقضي عليه. قال: فإن الحاكم رفق به وأمهله أكثر من خمسين سنة. فأطرق الفقيه وتحدّر عرق وجهه، وذهب السائل. ثم إن العالم أفاق من فكرته، فسأل عن السائل، فقال البواب: ما دخل أحد عليكم ولا خرج من عندكم أحد، فقال لأصحابه: انصرفوا، فما كان يرى بعد ذلك إلا في مجلس يذكر فيه العلم.

[فصل]

وقد رأيت أن أصل بهذه الحكاية حكايات في الشيب على سبيل الوعظ والتذكير والتخويف والتحذير.

حكي عن بعض المترفين أنه رفض ما كان فيه بغتة على غير تدريج، فسئل عن السبب، فقال ما معناه: كانت لي أمة لا يزيدني طول الاستمتاع منها إلا غراما بها، فقلبت شعرها يوما فإذا فيه شعرتان بيضاوان، فأخبرتها فارتاعت وقالت:

<<  <  ج: ص:  >  >>