للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرني، فأريتها فقالت: ﴿جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ﴾ [الإسراء: ٨١] ثم نظرت إليّ وقالت: اعلم أنه لو لم تفترض عليّ طاعتك لما أويت إليك، فدع لي ليلي أو نهاري لأتزوّد فيه لآخرتي، فقلت: لا ولا كرامة، فغضبت، وقالت: أتحول بيني وبين ربّي، وقد آذنني بلقائه، اللهم بدّل حبّه لي بغضا. قال: فبت وما شيء أحبّ إليّ من بعدها عني، وعرضتها للبيع، فأتاني من أعطاني فيها ما أريد، فلما عزمت على البيع بكت، فقلت: أنت أردت هذا، فقالت: والله ما اخترت عليك شيئا من الدنيا، هل لك إلى ما هو خير لك من ثمني؟ قلت: وما هو؟ قالت: تعتقني لله ﷿، فإنه أملك لك منك لي، وأعود عليك منك عليّ، فقلت: قد فعلت، فقالت: أمضى الله صفقتك وبلّغك أضعاف أملك، وتزهّدت فبغضت إليّ الدنيا ونعيمها.

وقال عبد الله بن أبي نوح: رأيت كهلا بمسجد رسول الله لا يزال ينفض الغبار عن جدرانه بسعفة، فسألت عنه، فقيل: إنه من ولد عثمان بن عفان وأن له أولادا وموالي ونعمة موفورة، وأنه اطّلع في مرآته فصرخ وجنّ ولزم المسجد كما ترى، وإذا أراد أهله أن يأخذوه ليداووه ويصونوه هرب منهم، وعاذ بالقبر المكرم فتركوه، فرقبته نهارا فلم أر منه اختلالا، ورقبته ليلا فلما ذهب جنح من الليل، خرج من المسجد فتبعته حتى أتى البقيع فقام يصلي ويبكي حتى قرب طلوع الفجر، فجلس يدعو، وجاءت إليه دابة لا أدري أشاة أم ظبية أم غيرها، فقامت عنده وتفاجت فالتقم ضرعها فشرب ثم مسح ظهرها، وقال: اذهبي بارك الله فيك، فولّت تهرع، فانسلك، فسبقته إلى المسجد فأقمت ليالي أخرج بخروجه إلى البقيع ولا يشعر بي، وسمعته يقول في مناجاته: اللهم إنك أرسلت إليّ ولم تأذن لي، فإن كنت قد رضيتني فأذن لي، وإن لم ترض فوفقني لما يرضيك، قال:

فلما حان رحيلي أتيته مودّعا فتجهّمني، فقلت: أنا صاحبك منذ ليال بالبقيع، أصلي بصلاتك، وأؤمن على دعائك، قال: هل أطلعت على ذلك أحدا؟ قلت:

لا. قال: انصرف راشدا، قلت: ما الرسول الذي أرسل إليك؟ قال: اطّلعت في المرآة فرأيت شيبة في وجهي، فعلمت أنها رسول الله إليّ، فقلت: ادع لي، قال:

ما أنا أهل لذلك، ولكن تعالى نتوسّل إلى الله برسوله (١)، فقمت معه تجاه القبر


(١) التوسل إلى الله برسول الله صلوات الله وسلامه عليه، توسّل غير شرعي، إذ التوسل عبادة، والعبادة لا يجوز فعلها إلا بدليل، والله ورسوله لم يشرعا لنا أن نتوسل بغير الله جل وعلا، أو بالدعاء الشرعي، الذي علّمنا إياه رسول الله .
ويا طالب الحق، ويا طالب النجاة؛ إن أردت الاستنارة والاستفادة والهدى المستقيم والحق -

<<  <  ج: ص:  >  >>