للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحدثين بإنكاره غباوة وجهلا، وشهرة هذا الحديث أوضح من فلق الصبح وأجلى، وقد رواه أبو عمر بن عبد البر في كتاب «الاستيعاب» فقال: حدّثنا سعيد بن نصر قال حدّثنا قاسم بن أصبغ قال حدّثنا محمد بن وضاح قال حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة فذكره بسنده المتقدم (١).

وروى أبو جعفر الطبري قال: لما خرجت عائشة من البصرة طالبة المدينة بعد انقضاء الحرب؛ جهّزها علي جهازا حسنا، وأخرج معها من أراد الخروج، واختار عليها أربعين امرأة معروفات من نساء البصرة، وجهّز معها أخاها محمدا. وكان خروجها من البصرة يوم السبت غرّة رجب سنة ست وثلاثين، وشيّعها عليّ على أميال، وسرّح معها بنيه يوما (٢).

[فصل]

فإن قيل: فلم ترك عليّ الاقتصاص من قتلة عثمان؟

فالجواب: إنه لم يكن وليّ دم، وإنما كان أولياء الدم أولاد عثمان وهم جماعة: عمرو - وكان أسن ولد عثمان، وعمّر - وإبّان وكان محدّثا فقيها، وشهد الجمل مع عائشة، والوليد بن عثمان وكان عنده مصحف عثمان الذي كان في حجره حين قتل، ومنهم الوليد بن عثمان. ذكر ابن قتيبة في «المعارف» (٣) أنه كان صاحب شراب وفتوة، ومنهم سعيد بن عثمان وكان واليا لمعاوية على خراسان.

فهؤلاء بنو عثمان الحاضرون في ذلك الوقت وهم أولياء الدم دون غيرهم، ولم يتحاكم إلى عليّ أحد منهم، ولا نقل ذلك عنهم، فلو تحاكموا إليه لحكم بينهم إذ كان أقضى الصحابة، للحديث المرويّ فيه عن رسول الله .

وجواب ثان: أنه لم يكن في الدار عدلان يشهدان على قاتل عثمان بعينه، فلم يكن له أن يقتل بمجرد دعوى في قاتل بعينه، ولا إلى الحكم في ذلك سبيل


(١) انظر «الاستيعاب» (٤/ ٣٦١).
(٢) انظر «تاريخ الطبري» (٤/ ٥٤٤).
وفيه: «فخرجت على الناس وودّعوها وودّعتهم، وقالت: يا بنيّ؛ تعتّب بعضنا على بعض استبطاء واستزادة، فلا يعتدنّ أحد منكم على أحد بشيء بلغه من ذلك؛ إنه والله ما كان بيني وبين علي في القديم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها، وإنه عندي على معتبي من الأخيار.
وقال عليّ: يا أيها الناس؛ صدقت والله وبرّت، ما كان بيني وبينها إلا ذاك، وإنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة» اه.
أقول: فهل سيرعوي بعد ذلك هؤلاء الذين يسبّونها ويبغضونها، ثم بعد هذا يدّعون حبّهم لآل البيت؟! أم أنهم سيكذّبون أمير المؤمنين ويصدّقون أسيادهم؟! فلا حول ولا قوة إلا بالله.
(٣) ص: ٢٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>