للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكافر ليست بخيرات، وأن وجودها وعدمها بمنزلة واحدة سواء.

والجواب: أن الله تعالى قال: ﴿وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً﴾ ولم يفصّل بين نفس ونفس، فخيرات الكافر توزن ويجزى بها، إلا أن الله تعالى حرّم عليه الجنة، فجزاؤه أن يخفّف عنه، بدليل: حديث أبي طالب؛ فإنه قيل له: يا رسول الله إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك، فهل نفعه ذلك؟ فقال:

«نعم وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار» (١). وما قاله في ابن جدعان وأبي عدي إنما هو في أنهما لا يدخلان الجنة ولا يتنعمان بشيء من نعيمها، والله أعلم.

[فصل]

أصل ميزان: موزان؛ قلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها.

قال ابن فورك (٢): وقد أنكرت المعتزلة الميزان بناء منهم على أن الأعراض يستحيل وزنها، إذ لا تقوم بأنفسها. ومن المتكلمين من يقول كذلك، وروي ذلك عن ابن عباس أن الله تعالى يقلب الأعراض أجساما فيزنها يوم القيامة، وقد تقدم هذا المعنى.

والصحيح أن الموازين تثقل بالكتب فيها الأعمال مكتوبة وبها تخف، كما دل عليه الحديث الصحيح والكتاب العزيز، قال الله ﷿: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ * كِراماً كاتِبِينَ﴾ [الانفطار: ١٠، ١١] وهذا نص. قال ابن عمر: توزن صحائف الأعمال، وإذا ثبت هذا؛ فالصحف أجسام، فيجعل الله تعالى رجحان إحدى الكفتين على الأخرى دليلا على كثرة أعماله بإدخاله الجنة أو النار. وروي عن مجاهد والضحاك والأعمش أن الميزان هنا بمعنى العدل والقضاء، وذكر الوزن والميزان ضرب مثل، كما يقول:

هذا الكلام في وزن هذا وفي وزانه؛ أي: يعادله ويساويه، وإن لم يكن هناك وزن.

قلت: وهذا القول مجاز، وليس بشيء؛ وإن كان شائعا في اللغة للسنة الثابتة في الميزان الحقيقي ووصفه بكفتين ولسان، وأن كل كفّة منهما طباق السموات والأرض.


(١) تقدّم تخريجه.
(٢) هو: أبو بكر؛ محمد بن الحسن بن فورك الأصبهاني. وكان أشعريا متكلما من رؤوس أرباب الكلام. ونقل الذهبي عن ابن حزم قوله: «كان يقول - أي ابن فورك -: إن روح رسول الله قد بطلت وتلاشت، وما هي في الجنة!!».
انظر ترجمته في: «سير أعلام النبلاء» (١٧/ ٢١٤) و «شذرات الذهب» (٣/ ١٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>