الجنة الذي وعده لهم، وتنعّموا بشهوات النفوس التي أعدّت لهم وليس ذلك إن شاء الله تعالى على معنى الاحتجاب عنهم الذي هو بمعنى الغيبة والاستتار، فيكونوا له ناسين وعن شهوده محجوبين، وإلى نعيم الجنة ساكنين، ولكنه يردّهم إلى ما نسوه، ولا تحجبهم عما شاهدوه حجبة غيبة واستتار، يدل على ذلك قوله:
«بقي نوره وبركته عليهم في ديارهم». وكيف يحجبهم عنه وهو ينعت المزيد عليهم، وما وعدهم به من النعيم؟ والنظر إذا صحّ، والحجبة إذا ارتفعت لم يكن بين نظر البصر وشهود السر فرق، ولا بين حال الشهود والغيبة فرق، فيكون محجوبا في حال الغيبة بل تتفق الأوقات وتتساوى الأحوال، فيكون في كل حال شاهدا وبكل جارحة ناظرا، ولا يكون في حال محجوبا ولا بالغيب موصوفا.
[حكاية]
حكي عن قيس المجنون أنه قيل له: ندعو لك ليلى؟ فقال: وهل غابت عني فتدعى؟! فقيل له: أتحبّ ليلى؟ فقال: المحبة ذريعة الوصلة، وقد وقع الوصل، فأنا ليلى وليلى أنا! والله أعلم.
***
٢١٧ - باب منه، وبيان قوله تعالى: ﴿وَلَدَيْنا مَزِيدٌ﴾
(يحيى بن سلام) قال: أخبرنا رجل من أهل الكوفة، عن داود بن أبي هند، عن الحسن قال: قال رسول الله ﷺ: «إن أهل الجنة لينظرون إلى ربّهم في كل جمعة على كثيب من كافور، لا يرى طرفاه، وفيه نهر جار حافتاه المسك، عليه جوار يقرأن القرآن بأحسن أصوات سمعها الأوّلون والآخرون، فإذا انصرفوا إلى منازلهم أخذ كلّ رجل بيد من شاء منهنّ ثم يمرّون على قناطر من لؤلؤ إلى منازلهم، فلولا أن الله تعالى يهديهم إلى منازلهم ما اهتدوا إليها، لما يحدث الله إليهم في كل جمعة»(١).
وخرّج عن بكر بن عبد الله المزني قال: إن أهل الجنة ليزورون ربهم في مقدار كل عيد، كأنه يقول: في كل سبعة أيام مرة، فيأتون ربّ العزّة في حلل خضر ووجوه مشرقة وأساور من ذهب مكلّلة بالدرّ والزمرد، عليهم أكاليل الذهب ويركبون نجائبهم ويستأذنون على ربهم، فيأمر لهم ربنا بالكرامة.