للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخلائق حينئذ على ركبهم جثاة حولها، قد أسبلوا الدموع من أعينهم، ونادى الظالمون بالويل والثبور، ثم تزفر الثانية فيزداد الرعب والخوف في القلوب، ثم تزفر الثالثة فتتساقط الخلائق لوجوههم ويشخصون بأبصارهم وهم ينظرون من طرف خفي، خوفا أن تبلغهم أو يأخذهم حريقها، أجارنا الله منها بعفوه وكرمه.

[فصل]

واختلف الناس في المقام المحمود على خمسة أقوال (١):

الأول: أنه الشفاعة العامة للناس يوم القيامة كما تقدم، قاله حذيفة بن اليمان وابن عمر (٢).

الثاني: أنه إعطاؤه لواء الحمد يوم القيامة. قلت: وهذا القول لا تنافي بينه وبين الأول، فإنه يكون بيده لواء الحمد ويشفع.

وروى الترمذي عن أنس قال: قال رسول الله : «أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا، وأنا خطيبهم إذا وفدوا، وأنا مبشرهم إذا أيسوا، لواء الحمد بيدي، فأنا أكرم ولد آدم على ربي ولا فخر» (٣). وفي رواية: «أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا، وأنا قائدهم إذا وفدوا، وأنا خطيبهم إذا أنصتوا، وأنا شفيعهم إذا حبسوا، وأنا مبشرهم إذا أبلسوا، لواء الكرم بيدي، وأنا أكرم ولد آدم على ربي، يطوف عليّ ألف خادم كأنهم لؤلؤ مكنون».

الثالث: ما حكاه الطبري عن فرقة منها مجاهد. أنها قالت: المقام المحمود هو أن يجلس الله محمدا معه على كرسيه، ورويت في ذلك حديثا قلت: وهذا قول مرغوب عنه، وإن صحّ الحديث فيتأول على أنه يجلسه مع أنبيائه وملائكته . قال ابن عبد البر في كتاب «التمهيد» (٤): «ومجاهد - وإن كان أحد الأئمة بتأويل القرآن - فإن له قولين مهجورين عند أهل العلم أحدهما هذا، والثاني في تأويل قوله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ * إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ﴾ [القيامة: ٢٢، ٢٣] قال تنتظر الثواب وليس من النظر».

الرابع: إخراجه طائفة من النار؛ روى مسلم عن يزيد الفقير قال: كنت قد


(١) قارن ب «فتح القدير» للشوكاني (٣/ ٣٤٩).
(٢) قال الشوكاني في «فتح القدير» (٣/ ٣٤٩): «وهذا القول هو الذي دلّت عليه الأدلّة الصحيحة في تفسير الآية، وحكاه ابن جرير عن أكثر أهل التأويل».
(٣) أخرجه الترمذي (٣٦١٠)، وهو في «ضعيف سنن الترمذي» رقم (٧٤٠).
(٤). (٧/ ١٥٧). وأورده المصنف هنا بتصرف في نصه.

<<  <  ج: ص:  >  >>