للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال كعب الأحبار: إن عيسى يمكث في الأرض أربعين سنة، ويكثر الخير على يديه، وتنزل البركات في الأرزاق، حتى إن العنبة ليأكل منها الرجل حاجته ويفضل والقطف من العنب يأكل منه الجمع الغفير والخلق الكثير، حتى إن الرمانة لتثقل الجمل، وحتى إن الحي ليعبر بالميت، فيقول: قم فانظر ما أنزله الله من البركة، وأن عيسى يتزوج بامرأة من آل فلان ويرزق ولدين فيسمى أحدهما محمدا والآخر موسى ويكون الناس معه على خير وفي خير زمان وذلك أربعين سنة، ثم يقبض الله روح عيسى ويذوق الموت ويدفن إلى جانب النبي في الحجرة، ويموت خيار الأمة ويبقى شرارها في قلة من المؤمنين، فذلك قوله : «بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ».

وقيل: إنه يدفن بالأرض المقدسة مدفن الأنبياء.

[فصل]

ذهب قوم إلى أن بنزول عيسى يرتفع التكليف لئلا يكون رسولا إلى أهل ذلك الزمان يأمرهم عن الله تعالى وينهاهم، وهذا أمر مردود بالأخبار التي ذكرناها من حديث أبي هريرة، وبقوله تعالى: ﴿وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب: ٤٠] وقوله : «لا نبي بعدي» وقوله: «وأنا العاقب» يريد: آخر الأنبياء وخاتمهم، وإذا كان ذلك فلا يجوز أن يتوهم أن عيسى ينزل نبيّا بشريعة متجددة وغير شريعة محمد نبينا ، بل إذا نزل فإنه يكون يومئذ من أتباع محمد كما أخبر حيث قال لعمر: «لو كان موسى حيّا ما وسعه إلا اتباعي» (١).

وقد روى أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: سمعت النبي يقول: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى ابن مريم ، فيقول أميرهم: تعالى صلّ بنا. فيقول: لا إن بعضكم على بعض أمراء لكرامة الله لهذه الأمة» (٢) خرجه مسلم في «صحيحه» وغيره.

فعيسى إنما ينزل مقررا لهذه الشريعة ومجددا لها، إذ هي آخر الشرائع، ومحمد آخر الرسل، فينزل حكما مقسطا، وإذا صار حكما فإنه لا سلطان يومئذ للمسلمين ولا إمام ولا قاضي ولا مفتي، قد قبض الله تعالى العلم وخلا الناس منه، فينزل وقد علم بأمر الله تعالى له في السماء قبل أن ينزل ما يحتاج إليه من علم هذه الشريعة للحكم به بين الناس والعمل به في نفسه، فيجتمع


(١) أخرجه أحمد (٣/ ٣٨٧) بإسناد ضعيف.
(٢) أخرجه مسلم (١٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>