قال علماؤنا: قوله: «فأصبح ربك يطوف بالبلاد وقد خلت عليه البلاد» إنما هو تفهيم وتقريب إلى أن جميع من في الأرض يموت، وأن الأرض تبقى خالية وليس يبقى إلا الله، كما قال: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ * وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ﴾ [الرحمن: ٢٦، ٢٧] وعند قوله سبحانه: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ﴾ هو انقطاع زمن الدنيا، وبعده يكون البعث والنشر والحشر على ما يأتي.
وفي فناء الجنة والنار عند فناء جميع الخلق قولان:
أحدهما: يفنيهما ولا يبقى شيء سواه، وهو معنى قوله الحق: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ﴾ [الحديد: ٣]. وقيل: إنه مما لا يجوز عليهما الفناء وإنهما باقيان بإبقاء الله سبحانه، والله أعلم.
وقد تقدم في الباب قبل هذا الإشارة إلى ذلك. وقد قيل: إنه ينادي مناد فيقول: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ﴾ فيجيبه أهل الجنة: ﴿لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ﴾ ذكره الزمخشري.
[فصل]
في بيان ما أشكل من الحديث من ذكر اليد والأصابع.
إن قال قائل: ما تأويل اليد عندكم؟ واليد حقيقتها هي الجارحة المعلومة عندنا. وتلك التي يكون القبض والطي بها؟
قلنا: لفظ الشمال أشد في الإشكال، وذلك في الإطلاق على الله محال.
والجواب: أن اليد في كلام العرب لها خمسة معان: تكون بمعنى القوة، ومنه قوله تعالى: ﴿وَاُذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ﴾ [ص: ١٧].
وتكون بمعنى الملك والقوة، ومنه قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ﴾ [آل عمران: ٧٣].
وتكون بمعنى النعمة، تقول العرب: كم يد لي عند فلان، أي: كم من نعمة أسديتها إليه.
وتكون بمعنى الصلة، ومنه قوله تعالى: ﴿مِمّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً﴾ [يس: ٧١] أي: مما عملنا نحن. وقال تعالى: ﴿أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ﴾ [البقرة: ٢٣٧]، أي الذي له النكاح.
وتكون بمعنى الجارحة، ومنه قوله تعالى: ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ﴾ [ص: ٤٤].