للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله في الحديث: (بيده) عبارة عن قدرته وإحاطته بجميع مخلوقاته؛ يقال:

ما فلان إلاّ في قبضتي، بمعنى: ما فلان إلاّ في قدرتي. والناس يقولون: الأشياء في قبضة الله، يريدون في ملكه وقدرته (١).

وقد يكون معنى القبض والطي: إفناء الشيء وإذهابه، فقوله ﷿:

﴿وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾ يحتمل أن يكون المراد به: الأرض جميعا ذاهبة فانية يوم القيامة. وقوله: ﴿وَالسَّماواتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ ليس يريد به طيّا بعلاج وانتصاب، وإنما المراد بذلك الفناء والذهاب، يقال: قد انطوى عنا ما كنا فيه، وجاءنا غيره، وانطوى عنا دهر، بمعنى المضي والذهاب.

فإن قيل: فقد قال في الحديث: «ويقبض أصابعه ويبسطها»، وهذه حقيقة الجارحة. قلنا: هذا مذهب المجسمة من اليهود والحشوية، والله تعالى متعال عن ذلك، وإنما المعنى حكاية الصاحب عن النبي : «يقبض أصابعه ويبسطها» وليس معنى اليد في الصفات بمعنى الجارحة، حتى يتوهّم بثبوتها ثبوت الأصابع، فدلّ على أن النبي هو الذي كان يقبض أصابعه ويبسطها. قال الخطابي: وذكر الأصابع لم يوجد في شيء من الكتاب والسنة المقطوع بصحتهما.

فإن قيل: فقد ورد ذكر الأصابع في غير ما حديث، فما جوابكم عنها؟ فقد


(١) المذهب الحق في ذلك؛ الأخذ بظاهر الآية، وعدم تأويلها تأويلات الأشاعرة، والمعطلة والجهمية، فأهل السنة يثبتون لله يدا تليق بجلاله لا تشبه يد المخلوقين، فكما أننا نثبت لله سمعا وبصرا لا يشبه سمع وبصر المخلوقين؛ فكذا الأمر بالنسبة لباقي الصفات، ومنها صفة اليد. وتأويل اليد بمعنى القدرة في الحديث والآيات؛ باطل.
قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (١٣/ ٤٠٥): «قال ابن بطال: في هذه الآية إثبات يدين لله، هما صفتان من صفات ذاته وليستا بجارحتين، خلافا للمشبّهة من المثبتة، وللجهمية من المعطّلة، ويكفي في الرد على من زعم أنهما بمعنى القدرة؛ أنهم أجمعوا على أن له قدرة واحدة في قول المثبتة، ولا قدرة له في قول النفاة، لأنهم يقولون إنه قادر لذاته، ويدل على أن اليدين ليستا بمعنى القدرة أن في قوله تعالى لإبليس: ﴿ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ إشارة إلى المعنى الذي أوجب السجود فلو كانت اليد بمعنى القدرة لم يكن بين آدم وإبليس فرق لتشاركهما فيما خلق كل منهما به وهي قدرته، ولقال إبليس: وأي فضيلة له عليّ وأنا خلقتني بقدرتك كما خلقته بقدرتك، فلما قال: ﴿خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ دلّ على اختصاص آدم بأن الله خلقه بيديه، قال: ولا جائز أن يراد باليدين النعمتان، لاستحالة خلق المخلوق بمخلوق، لأن النعم مخلوقة، ولا يلزم من كونهم صفتي ذات أن يكونا جارحتين».
وانظر لمزيد من التفصيل: «شرح العقيدة الواسطية» للعلامة محمد بن صالح العثيمين (١/ ٢٩١ - وما بعدها) و «القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى» له أيضا. وغيرها من كتب العقيدة السلفية.

<<  <  ج: ص:  >  >>