﴿آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ﴾ [سبأ: ٣٧] فذكر شأن الغرفة وأنها لا تنال بالأموال والأولاد، وإنما تنال بالإيمان والعمل الصالح، ثم بيّن لهم جزاء الضعف وأن محلّهم الغرفات، يعلّمك أن هذا إيمان طمأنينة وتعلق قلب به مطمئنا به في كل ما نابه، وبجميع أموره وأحكامه؛ فإذا عمل صالحا فلا يخلطه بضده وهو الفاسد. فلا يكون العمل الصالح الذي لا يشوبه فساد إلا مع إيمان بالغ مطمئن صاحبه بمن آمن وبجميع أموره وأحكامه، والمخلط ليس إيمانه وعمله هكذا، فلهذا كانت منزلته دون غيره.
قلت: ذكره الترمذي الحكيم رحمة الله عليه، وهذا واضح بين، وقد قال تعالى: ﴿إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً﴾ [الإنسان: ٥] قال: ﴿وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً﴾ [الإنسان: ١٧] وقال: ﴿وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ﴾ [المطففين: ٢٧، ٢٨] فلما باين بين الأبرار والمقربين في الشراب - على ما يأتي بيانه - باين بينهم في المنازل والدرجات وأعالي الغرفات، حسب ما باين بينهم في الأعمال الصالحات، بالاجتهاد في الطاعات، قال الله تعالى: ﴿كَلاّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ﴾ [المطففين: ١٨] فيجتهد الإنسان أن يكون من الأبرار المقربين ليكون في عليين، وأصحاب عليين جلساء الرحمن، وهم أصحاب المنابر من النور في المقعد الصدق، وقال تعالى: ﴿فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اِقْرَؤُا كِتابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ﴾ [الحاقة: ١٩ - ٢٢]، فأصحاب اليمين في علو الجنان أيضا، وجميعها عوالي، وجنات المقربين جميعها علالي، وإحداهن علية، كقول الشاعر:
ألا يا عين ويحك أسعديني … بغزر الدمع في ظلم الليالي
لعلك في القيامة أن تفوزي … بخير الدار في تلك العلالي
[باب منه]
روى من حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ: «إن في الجنة لغرفا ليس لها مغاليق من فوقها، ولا عماد من تحتها». قيل: يا رسول الله؛ وكيف يدخلها أهلها؟ قال:«يدخلونها أشباه الطير». قيل: هي يا رسول الله لمن؟ قال:
«لأهل الأسقام والأوجاع والبلوى»(١). خرّجه أبو القاسم زاهر بن طاهر بن محمد بن محمد الشحامي.