للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد أحسن أبو العتاهية حيث يقول:

يا عجبا للناس لو فكّروا … أو حاسبوا أنفسهم أبصروا

وعبروا الدنيا إلى غيرها … فإنما الدنيا لهم معبر

لا فخر إلاّ فخر أهل التّقى … غدا إذا ضمهم المحشر

ليعلمنّ الناس أن التّقى … والبرّ كانا خير ما يدّخر

عجبت للإنسان في فخره … وهو غدا في قبره يقبر

ما بال من أوّله نطفة … وجيفة آخره يفجر

أصبح لا يملك تقديم ما … يرجو ولا تأخير ما يحذّر

وأصبح الأمر إلى غيره … في كلّ ما يقضى وما يقدر

[فصل]

قال العلماء رحمة الله عليهم: ليس للقلوب أنفع من زيارة القبور، وخاصة إن كانت قاسية، فعلى أصحابها أن يعالجوها بأربعة أمور:

أحدها: الإقلاع عما هي عليه بحضور مجالس العلم بالوعظ والتذكير، والتخويف والترغيب، وأخبار الصالحين، فإن ذلك مما يلين القلوب وينجع فيها.

الثاني: ذكر الموت، فيكثر من ذكر هاذم اللذات، ومفرّق الجماعات، وميتّم البنين والبنات، كما تقدم في الباب قبل.

يروى أن امرأة شكت إلى عائشة قساوة قلبها، فقالت لها:

«أكثري من ذكر الموت يرقّ قلبك» ففعلت ذلك فرقّ قلبها. فجاءت تشكر عائشة .

قال العلماء: تذكّر الموت يردع عن المعاصي، ويليّن القلب القاسي، ويذهب الفرح بالدنيا، ويهوّن المصائب فيها.

الثالث: مشاهدة المحتضرين، فإن في النظر إلى الميت ومشاهدة سكراته ونزعاته، وتأمل صورته بعد مماته، ما يقطع عن النفوس لذّاتها، ويطرد عن القلوب مسرّاتها، ويمنع الأجفان من النوم، والأبدان من الراحة، ويبعث على العمل، ويزيد في الاجتهاد والتعب.

يروى أن الحسن البصري دخل على مريض يعوده، فوجده في سكرات الموت، فنظر إلى كربه، وشدّة ما نزل به، فرجع إلى أهله بغير اللون الذي خرج به من عندهم، فقالوا له: الطعام يرحمك الله، فقال: يا أهلاه عليكم بطعامكم وشرابكم، فو الله لقد رأيت مصرعا لا أزال أعمل له حتى ألقاه.

<<  <  ج: ص:  >  >>