للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه ثلاثة أمور ينبغي لمن قسا قلبه، ولزمه ذنبه، أن يستعين بها على دواء دائه، ويستصرخ بها على فتن الشيطان وإغوائه، فإن انتفع بها فذاك، وإن عظم عليه ران القلب، واستحكمت فيه دواعي الذنب، فزيارة قبور الموتى تبلغ في دفع ذلك ما لا يبلغه الأول، والثاني، والثالث. ولذلك قال : «زوروا القبور فإنها تذكر الموت والآخرة، وتزهد في الدنيا»، فالأول: سماع بالأذن، والثاني: إخبار للقلب بما إليه المصير، وقائم له مقام التخويف والتحذير في مشاهدة من احتضر، وزيارة قبر من مات من المسلمين معاينة، فلذلك كانا أبلغ من الأول والثاني. قال : «ليس الخبر كالمعاينة» (١) رواه ابن عباس ولم يروه أحد غيره. إلاّ أن الاعتبار بحال المحتضرين غير ممكن في كل الأوقات، وقد لا يتفق لمن أراد علاج قلبه في ساعة من الساعات. وأما زيارة القبور؛ فوجودها أسرع، والانتفاع بها أليق وأجدر، فينبغي لمن عزم على الزيارة أن يتأدب بآدابها، ويحضر قلبه في إتيانها، ولا يكون حظّه منها الطواف على الأجداث فقط، فإن هذه حالة تشاركه فيها بهيمة، ونعوذ بالله من ذلك. بل يقصد بزيارته وجه الله تعالى، وإصلاح فساد قلبه، أو نفع الميت مما يتلوه عنده من القرآن (٢)، على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى. ويجتنب المشي على المقابر، والجلوس عليها إذا دخل المقابر، ويخلع نعليه، - كما جاء في أحاديث - ويسلّم إذا دخل المقابر، ويخاطبهم خطاب الحاضرين، فيقول: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين» كذلك كان يقول (٣)، وكنّى بالدار عن عمارها وسكّانها، ولذلك خاطبهم بالكاف والميم، لأن العرب تعبّر بالمنزل عن أهله. وإذا وصل إلى قبر ميته الذي يعرفه سلّم عليه أيضا فيقول: عليك السلام.

روى الترمذي في «جامعه»: أن رجلا دخل على النبيّ ، فقال: عليك السلام، فقال : «لا تقل عليك السلام، فإن عليك السلام تحية الميت» (٤). وليأته


(١) أخرجه أحمد (١/ ٢١٥، ٢٧١) والحاكم (٢/ ٣٢١) وغيرهما.
وقال الحاكم: «صحيح على شرط الشيخين». ووافقه الذهبي، وصحّح إسناده الألباني في تخريج أحاديث «شرح العقيدة الطحاوية» ص ٣٣٥ رقم (٤٠١).
(٢) الميت لا ينتفع بقراءة القرآن عنده، لأن محلّ هذا؛ التشريع، ولم يأت نص صحيح بذلك، بل لم يرد هذا الفعل عن نبي الأمة صلوات الله وسلامه عليه ولا عن أهل القرون الثلاثة الأولى المفضلة، وينظر في تفصيل المسألة: «حكم القراءة للأموات» لمحمد عبد السلام الشقيري، و «شرح الصدور ببيان بدع الجنائز والقبور» لعبد الله الحمادي ص ٥٠ وما بعدها.
(٣) أخرجه مسلم (٩٧٥).
(٤) أخرجه أحمد (٣/ ٤٧٢) وأبو داود (٥١٨٧) والترمذي (٢٧٢٢)، وهو حديث صحيح، انظر «السلسلة الصحيحة» رقم (١٤٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>