للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعمل بأوامره، ولا ينتهي بنواهيه، يطوف عليه دهره ولا يعطي منه نفسه خيره، فيفعل به ما يفعل بالأولين، ومن الناس من يستحيل عمله جروا يعذّب به في قبره على قدر جرمه».

وفي الأخبار: أن من الناس من يستحيل عمله خنوصا - وهو ولد الخنزير - ومن الناس من يعتاص عليه أن يقول: نبيي محمد؛ لأنه كان ناسيا لسنته، ومن الناس من يعتاص عليه أن يقول: الكعبة قبلتي لقلة تحريه في صلاته، أو فساده في وضوئه، أو التفات في صلاته، أو اختلال في ركوعه وسجوده، ويكفيك ما روي في فضائلها، أن الله لا يقبل صلاة من عليه صلاة، ومن عليه ثواب حرام. ومن الناس من يعتاص عليه أن يقول: إبراهيم أبي لأنه سمع كلاما يوما أو همه إن إبراهيم كان يهوديّا أو نصرانيّا، فإذا هو شاك مرتاب، فيفعل به ما يفعل بالآخرين.

وقال أبو حامد: وكل هذه الأنواع كشفناها في كتاب «الإحياء».

وأما الفاجر فيقولان له: من ربك؟ فيقول: لا أدري! فيقولان له: لا دريت ولا عرفت، ثم يضربانه بتلك المقامع حتى يتلجلج في الأرض السابعة، ثم تنفضه الأرض في قبره، ثم يضربانه سبع مرات، ثم تفترق أحوالهم؛ فمنهم من يستحيل عمله كلبا ينهشه حتى تقوم الساعة، وهم الخوارج، ومنهم من يستحيل خنزيرا يعذب به في قبره وهم المرتابون، وهم أنواع. وأصله أن الرجل إنما يعذب في قبره بالشيء الذي كان يخافه في الدنيا. فمن الناس من يخاف من الجرو أكثر من الأسد، وطبائع الخلق متفرقة. نسأل الله السلامة والغفران قبل الندامة.

[فصل]

جاء في حديث البخاري ومسلم سؤال الملكين، وكذلك في حديث الترمذي ونص على اسميهما ونعتهما. وجاء في حديث أبي داود سؤال ملك واحد، وفي حديثه الآخر سؤال ملكين. ولا تعارض في ذلك - والحمد لله - بل كل ذلك صحيح المعنى بالنسبة إلى الأشخاص، فرب شخص يأتيانه جميعا، ويسألانه جميعا في حال واحد عند انصراف الناس، ليكون السؤال عليه أهون، والفتنة في حقه أشد وأعظم، وذلك بحسب ما اقترف من الآثام، واجترح من سيئ الأعمال، وآخر يأتيانه قبل انصراف الناس عنه، وآخر يأتيه أحدهما على الانفراد، فيكون ذلك أخف في السؤال، وأقل في المراجعة والعتاب، لما عمله من صالح الأعمال.

وقد يحتمل حديث أبي داود وجها آخر وهو: أن الملكين يأتيان جميعا ويكون السائل أحدهما، وإن تشاركا في الإتيان؛ فيكون الراوي اقتصر على الملك السائل وترك غيره، لأنه لم يقل في الحديث أنه لا يأتيه إلى قبره إلاّ ملك واحد، ولو قاله

<<  <  ج: ص:  >  >>