روى أبو عمر ابن عبد البر في «التمهيد»(١) عن ابن عباس قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: «أيها الناس إن الرجم حق فلا تخدعنّ عنه، وإن آية ذلك أن رسول الله ﷺ قد رجم، وأن أبا بكر قد رجم، وإنّا قد رجمنا بعدهما، وسيكون أقوام من هذه الأمة يكذبون بالرجم، ويكذبون بالدجّال، ويكذبون بطلوع الشمس من مغربها، ويكذبون بعذاب القبر، ويكذبون بالشفاعة، ويكذبون بقوم يخرجون من النار بعد ما امتحشوا».
قال علماؤنا رحمة الله عليهم: هؤلاء هم القدرية والخوارج، ومن سلك سبيلهم، وافترقوا في ذلك فرقا. فصار أبو الهذيل وبشر: إلى أن من خرج عن سمة الإيمان، فإنه يعذب بين النفختين، وأن المسألة إنما تقع في تلك الأوقات. وأثبت البلخي وكذلك الجبائي وابنه عذاب القبر، ولكنهم نفوه عن المؤمنين، وأثبتوه للكافرين والفاسقين. وقال الأكثرون من المعتزلة لا يجوز تسمية ملائكة الله تعالى بمنكر ونكير، وإنما المنكر ما يبدو من تلجلجه إذا سئل، وتقريع الملكين له هو النكير، وقال صالح: عذاب القبر جائز، وأنه يجري على الموتى من غير ردّ الأرواح إلى الأجساد، وأن الميت يجوز أن يألم ويحس ويعلم، وهذا مذهب جماعة من الكرّامية. وقال بعض المعتزلة: إن الله يعذّب الموتى في قبورهم، ويحدث فيهم الآلام وهم لا يشعرون، فإذا حشروا وجدوا تلك الآلام. وزعموا أن سبيل المعذبين من الموتى كسبيل السكران أو المغشي عليه، لو ضربوا لم يجدوا الآلام، فإذا عاد إليهم العقل وجدوا تلك الآلام؛ وأما الباقون من المعتزلة، مثل ضرار بن عمرو وبشر المرّيسي ويحيى بن كامل وغيرهم، فإنهم أنكروا عذاب القبر أصلا، وقالوا: إنّ من مات فهو ميّت في قبره إلى يوم البعث وهذه أقوال كلها فاسدة تردها الأخبار الثابتة، وفي التنزيل: ﴿النّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا﴾ [غافر: ٤٦]، وسيأتي من الأخبار مزيد بيان وبالله التوفيق والعصمة. والله أعلم.