للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة» (١)، وروى: «من ستر على مسلم عورته، ستر الله عورته يوم القيامة» (٢).

قال أبو حامد: «فهذا إنما يرجوه عبد مؤمن ستر على الناس عيوبهم واحتمل في حق نفسه تقصيرهم، ولم يحرك لسانه بذكر مساوئ الناس، ولم يذكرهم في غيبتهم بما يكرهون لو سمعوه، فهذا جدير بأن يجازى بمثله في القيامة».

[فصل]

وفي قوله: «سترها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم»؛ نص منه تعالى على صحة قول أهل السنة في ترك إنفاذ الوعيد على العصاة من المؤمنين، والعرب تفتخر بخلف الوعيد حتى قال قائلهم:

ولا يرهب ابن العم ما عشت صولتي … ولا أختشي من روعة المتهدد

وإني متى أوعدته أو وعدته … لمخلف إيعادي ومنجز موعدي

قال ابن العربي: إنه كذلك عند العرب، وأما ملك الملوك القدوس الصادق فلا يقع أبدا خبره إلا على وفق مخبره، كان ثوابا أو عقابا، فالذي قال المحققون في ذلك قول بديع، وهو أن الآيات وقعت مطلقة في الوعد والوعيد عامة، فخصصتها الشريعة، وبينها الباري تعالى في كتابه في آيات أخر، كقوله: ﴿إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ﴾ [النساء: ٤٨]، وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ﴾ [الرعد: ٦] الآية وكقوله تعالى: ﴿حم * تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ﴾ [غافر: ١ - ٣] وبالشفاعة التي أكرم الله بها محمدا ومن شاء من الخلق من بعده.

***

[٩٤ - باب ما جاء أن الله تعالى يكلم العبد ليس بينه وبينه ترجمان]

(مسلم) عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله : «ما منكم من أحد إلا


(١) أخرجه مسلم (٢٦٩٩).
(٢) أخرجه ابن ماجه (٢٥٤٦) وهو ضعيف بهذا اللفظ.

<<  <  ج: ص:  >  >>