للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقل: «وعن عمله ما قال فيه» وإنما قال: «ما عمل فيه» فينظر العبد ما عمل فيما علمه هل صدق الله في ذلك وأخلصه حتى يدخل فيمن أثنى الله عليه بقوله:

﴿أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا﴾ [البقرة: ١٧٧] أو خالف علمه بفعله، فيدخل في قوله تعالى:

﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ﴾ [الأعراف: ١٦٩] الآية. وقوله تعالى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ﴾ [البقرة: ٤٤] وقوله: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: ٢، ٣].

والأخبار في هذا المعنى كثيرة، وسيأتي ذكرها في أبواب النار، إن شاء الله تعالى.

وقوله: «حتى يضع عليه كنفه» أي: ستره ولطفه وإكرامه، فيخاطب خطاب الملاطفة، ويناجيه مناجاة المصافات والمحادثة، فيقول: «هل تعرف؟ فيقول: رب أعرف» فيقول الله تعالى: ممتنا عليه ومظهرا فضله لديه: «فإني سترتها عليك في الدنيا»؛ أي: لم أفضحك بها فيها: «وأنا أغفرها لك اليوم»، ثم قيل: هذه ذنوب تاب منها كما ذكره أبو نعيم عن الأوزاعي، عن هلال بن سعد قال: «إن الله يغفر الذنوب، ولكن لا يمحوها من الصحيفة حتى يوقفه عليها يوم القيامة وإن تاب منها».

قال المؤلف: ولا يعارض هذا ما في التنزيل والحديث من أن السيئات تبدل بالتوبة حسنات، فلعل ذلك يكون بعد ما يوقفه عليها، والله أعلم.

وقيل: في صغائر اقترفها، وقيل: كبائر بينه وبين الله تعالى اجترحها، وأما ما كان بينه وبين العباد فلا بد فيها من القصاص بين العباد بالحسنات والسيئات، على ما يأتي. وقيل: ما خطر بقلبه ما لم يكن في وسعه، ويدخل تحت كسبه، ويثبت في نفسه وإن لم يعمله، وهذا اختيار الطبري والنحاس وغير واحد من العلماء، جعلوا الحديث مفسرا لقوله تعالى: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] فتكون الآية على هذا محكمة غير منسوخة، والله أعلم.

وقد بيناه في كتاب «جامع أحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السور وآي القرآن» - والحمد لله.

وروي عن ابن مسعود أنه قال: «ما ستر الله على عبد في الدنيا إلا ستر الله عليه في الآخرة»، وهذا مأخوذ من حديث النجوى، ومن قوله : «لا يستر الله على عبد في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة». خرجه مسلم (١).

وفي «صحيح مسلم» أيضا من حديث أبي هريرة : «من ستر


(١) في «صحيحه» رقم (٢٩٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>