والأخبار في هذا المعنى كثيرة، وسيأتي ذكرها في أبواب النار، إن شاء الله تعالى.
وقوله:«حتى يضع عليه كنفه» أي: ستره ولطفه وإكرامه، فيخاطب خطاب الملاطفة، ويناجيه مناجاة المصافات والمحادثة، فيقول:«هل تعرف؟ فيقول: رب أعرف» فيقول الله تعالى: ممتنا عليه ومظهرا فضله لديه: «فإني سترتها عليك في الدنيا»؛ أي: لم أفضحك بها فيها: «وأنا أغفرها لك اليوم»، ثم قيل: هذه ذنوب تاب منها كما ذكره أبو نعيم عن الأوزاعي، عن هلال بن سعد قال:«إن الله يغفر الذنوب، ولكن لا يمحوها من الصحيفة حتى يوقفه عليها يوم القيامة وإن تاب منها».
قال المؤلف: ولا يعارض هذا ما في التنزيل والحديث من أن السيئات تبدل بالتوبة حسنات، فلعل ذلك يكون بعد ما يوقفه عليها، والله أعلم.
وقيل: في صغائر اقترفها، وقيل: كبائر بينه وبين الله تعالى اجترحها، وأما ما كان بينه وبين العباد فلا بد فيها من القصاص بين العباد بالحسنات والسيئات، على ما يأتي. وقيل: ما خطر بقلبه ما لم يكن في وسعه، ويدخل تحت كسبه، ويثبت في نفسه وإن لم يعمله، وهذا اختيار الطبري والنحاس وغير واحد من العلماء، جعلوا الحديث مفسرا لقوله تعالى: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] فتكون الآية على هذا محكمة غير منسوخة، والله أعلم.
وقد بيناه في كتاب «جامع أحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السور وآي القرآن» - والحمد لله.
وروي عن ابن مسعود أنه قال:«ما ستر الله على عبد في الدنيا إلا ستر الله عليه في الآخرة»، وهذا مأخوذ من حديث النجوى، ومن قوله ﵇:«لا يستر الله على عبد في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة». خرجه مسلم (١).