للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مع سكوت أولياء الدم عن طلب حقّهم، ففي تركهم له أوضح دليل. وكذلك فعل معاوية حين تمّت له الخلافة وملك مصر وغيرها بعد أن قتل عليّ لم يحكم على واحد من المتّهمين بقتل عثمان بإقامة قصاص، وأكثر المتّهمين من أهل مصر والكوفة والبصرة، وكلهم تحت حكمه وأمره ونهيه وغلبته وقهره، وكان يدّعي المطالبة بذلك قبل ملكه ويقول: لا نبايع من يؤوي قتلة عثمان ولا يقتصّ منهم، والذي كان يجب عليه شرعا أن يدخل في طاعة عليّ حين انعقدت خلافته في مسجد رسول الله ومهبط وحيه ومقرّ النبوة وموضع الخلافة، بجميع من كان فيها من المهاجرين والأنصار بطوع منهم وارتضاء واختيار، وهم أمم لا يحصون وأهل عقد وحل، والبيعة تنعقد بطائفة من أهل الحل والعقد، فلما بويع له طلب أهل الشام في شرط البيعة التمكّن من قتلة عثمان وأخذ القود منهم فقال لهم علي : ادخلوا في البيعة واطلبوا الحق تصلوا إليه. فقالوا: لا تستحق بيعة وقتلة عثمان معك، نراهم صباحا ومساء. وكان عليّ في ذلك أسدّ رأيا وأصوب قيلا لأن عليا لو تعاطى القود معهم لتعصّب لهم قبائل، وصارت حربا ثالثة فانتظر بهم إلى أن يستوثق الأمر وتنعقد عليه البيعة، ويقع الطلب من الأولياء في مجلس الحكم، فيجري القضاء بالحق.

قال ابن العربي أبو بكر: ولا خلاف بين الأمة أنه يجوز للإمام تأخير القصاص إذا أدّى إلى إثارة فتنة أو تشتيت الكلمة، وكذلك جرى لطلحة والزبير فإنهما ما خلعا عليا من ولاية ولا اعترضا عليه في ديانة، وإنما رأوا أن البداية بقتل أصحاب عثمان أولى.

وذكر ابن وهب قال: حدثني حرملة بن عمران، عن يزيد بن أبي حبيب؛ أنه سمعه يحدث محمد بن يزيد بن أبي زياد الثقفي قال: اصطحب قيس بن خرشة وكعب الكناني حتى إذا بلغا صفّين، وقف كعب ثم نظر ساعة، فقال: لا إله إلا الله؛ ليهرقنّ في هذه البقعة من دماء المسلمين ما لم يهرق ببقعة من الأرض، فغضب قيس، ثم قال: وما يدريك يا أبا إسحاق ما هذا؟ فإذا هذا من الغيب الذي استأثر الله تعالى به. فقال كعب: ما من شبر من الأرض إلا هو مكتوب في التوراة التي أنزل الله على موسى بن عمران ما يكون عليه إلى يوم القيامة (١).

أخبرنا شيخنا القاضي لسان المتكلمين أبو عامر يحيى بن الشيخ الفقيه الإمام أبي الحسين بن عبد الرحمن بن ربيع الأشعري، إجازة عن شيخه المحدث الثقة المؤرخ


(١) إسناده ضعيف.
محمد بن يزيد بن أبي زياد الثقفي؛ «مجهول الحال» كما في «التقريب».

<<  <  ج: ص:  >  >>