وكانت وقعة الحرة يوم الأربعاء لليلتين بقيتا لذي الحجة سنة ثلاث وثلاثين، ويقال لها: حرة زهرة، وكانت الوقعة بموضع يعرف بواقم على ميل من مسجد رسول الله ﷺ، فقتل بقايا المهاجرين والأنصار وخيار التابعين، وهم ألف وسبعمائة، وقتل من أخلاط الناس عشرة آلاف سوى النساء والصبيان، وقتل بها من حملة القرآن سبعمائة رجل من قريش، وسبعة وتسعون قتلوا جهرا ظلما في الحرب وصبرا.
وقال الإمام الحافظ أبو محمد بن حزم في المرتبة الرابعة: وجالت الخيل في مسجد رسول الله ﷺ وبالت وراثت بين القبر والمنبر، أدام الله تشريفها، وأكره الناس على أن يبايعوا ليزيد على أنهم عبيد له إن شاء باع وإن شاء أعتق، وذكر له يزيد بن عبد الله ابن زمعة البيعة على حكم القرآن والسنة، فأمر بقتله فضربت عنقه صبرا.
وذكر الأخباريون أنها خلت من أهلها وبقيت ثمارها لعوافي الطير والسباع، كما قال ﷺ، ثم تراجع الناس إليها وفي حال خلوّها غدت الكلاب على سواري المسجد، والله أعلم.
وذكر أبو زيد عمر بن شبة قال: حدثنا صفوان، عن شريح بن عبيد، أنه قرأ كتابا بالكعبة:«ليغشين أهل المدينة أمر يفزعهم حتى يتركوها وهي مذللة وحتى تبول السنانير على قطائف الخز ما يروعها شيء، وحتى تخرق الثعالب في أسواقها ما يروعها شيء». وأما قوله في الراعيين:«حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرا على وجهيهما» فقيل: سقطا ميتين.
قال علماؤنا: وهذا إنما يكون في آخر الزمان وعند انقراض الدنيا، بدليل ما قال البخاري في هذا الحديث «آخر من يحشر راعيان من مزينة». قيل: معناه آخر من يموت فيحشر، لأن الحشر بعد الموت، ويحتمل أن يتأخر حشرهما لتأخر موتهما.
قال الداودي أبو جعفر أحمد بن نصر في «شرح البخاري» له: وقوله في الراعيين ينعقان بغنمهما؛ يعني يطلبان الكلأ.
وقوله:«وحشا»: يعني خالية، وقوله:«ثنية الوداع» يعني: موضعا قريبا من المدينة مما يلي مكة.
وقوله:«خرا على وجهيهما» يعني: أخذتهما الصعقة حين النفخة الأولى، وهو الموت.
وقوله:«آخر من يحشر»؛ يعني أنهما بأقصى المدينة، فيكونان في أثر من يبعث منها، ليس أن بعض الناس يخرج بعد بعض من الأجداث إلا بالشيء المتقارب، يقول الله تعالى: ﴿إِنْ كانَتْ إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً﴾ [يس: ٢٩] ﴿فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ﴾ [الزمر: ٦٨].