للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ [الأنفال: ٢٥] بل يعم شؤمها من تعاطاها ومن رضيها، هذا بفساده وهذا برضاه وإقراره، على ما نبينه.

فإن قيل: فقد قال الله تعالى: ﴿وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى﴾ [فاطر: ١٨] ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ [المدثر: ٣٨] ﴿لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اِكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦] وهذا يوجب أن لا يؤاخذ أحد بذنب أحد، وإنما تتعلق العقوبة بصاحب الذنب.

وقرئ «واتقوا فتنة لتصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصّة» وعلى هذه القراءة يكون المعنى: أنها تصيب الظالم خاصة وهي قراءة زيد بن ثابت وعلي وأبيّ وابن مسعود أجمعين.

والجواب: أن الناس إذا تظاهروا بالمنكر، فمن الفرض على من رآه أن يغيّره إما بيده، فإن لم يقدر فبلسانه، فإن لم يقدر فبقلبه، ليس عليه أكثر من ذلك، وإذا أنكر بقلبه فقد أدّى ما عليه إذا لم يستطع سوى ذلك.

روى الأئمة عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله يقول: «من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه ليس عليه غيره، وذلك أضعف الإيمان» (١).

روي عن بعض الصحابة أنه قال: إن الرجل إذا رأى منكرا لا يستطيع النكير عليه، فليقل ثلاث مرات: اللهم إن هذا منكر لا أرضاه، فإذا قال ذلك فقد أدى ما عليه.

فأما إذا سكت عليه فكلّهم عاص، هذا بفعله وهذا برضاه كما ذكرنا. وقد جعل الله في حكمه وحكمته الراضي بمنزلة الفاعل فانتظم في العقوبة. دليله قوله تعالى: ﴿إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ﴾ [النساء: ١٤٠] فأما إذا كره الصالحون ما صنع المفسدون وأخلصوا كراهيتهم لله تعالى وتبرّءوا من ذلك حسب ما يلزمهم ويجب لله عليهم غير معتدين سلموا. قال الله تعالى: ﴿فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ﴾ [هود: ١١٦] وقال: ﴿فَلَمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٥].

وقال ابن عباس: قد أخبرنا الله ﷿ عن هذين، ولم يخبرنا عن الذين قالوا: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ﴾ [الأعراف: ١٦٤].


(١) أخرجه مسلم (٤٩) وأحمد (٣/ ١٠) وأبو داود (٤٣١٨) والترمذي (٢١٧٢) والنسائي (٨/ ١١١) وابن ماجه (١٢٧٥) وغيرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>