للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرحم، فيضعها على كفه، ثم يقول: يا رب، مخلّقة أو غير مخلقة؟ فإن قال مخلّقة، قال: يا رب ما الرزق؟ ما الأثر؟ ما الأجل؟ فيقول: انظر في أم الكتاب، فينظر في اللوح المحفوظ، فيجد فيه رزقه، وأثره، وأجله، وعمله، ويأخذ التراب الذي يدفن في بقعته ويعجن به نطفته.

فذلك قوله تعالى: ﴿مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ﴾ [طه: ٥٥] خرجه الترمذي الحكيم، أبو عبد الله في «نوادر الأصول».

وذكر عن علقمة، عن عبد الله قال: إن النطفة إذا استقرت في الرحم أخذها الملك بكفه، فقال: أي رب أمخلقة أو غير مخلقة؟ فإن قال: غير مخلقة لم تكن نسمة وقذفتها الأرحام دما، وإن قال: مخلقة، قال: أي رب أذكر، أم أنثى؟ أشقي، أم سعيد؟ ما الأجل؟ وما الأثر؟ وما الرزق؟ وبأي أرض تموت؟ فيقول:

اذهب إلى أم الكتاب، فإنك ستجد هذه النطفة فيها، فيقال للنطفة: من ربك؟ فتقول: الله. فيقال: من رازقك؟ فتقول: الله، فتخلق، فتعيش في أجلها، وتأكل رزقها، وتطأ أثرها، فإذا جاء أجلها ماتت، فدفنت في ذلك المكان، فالأثر: هو التراب الذي يؤخذ فيعجن به ماؤه.

وقال محمد بن سيرين: لو حلفت حلفت صادقا بارّا، غير شاك ولا مستثن، أن الله ما خلق نبيه محمدا ، ولا أبا بكر، ولا عمر، إلاّ من طينة واحدة ثم ردهم إلى تلك الطينة.

قلت: وممن خلق من تلك التربة؛ عيسى بن مريم . على ما يأتي بيانه آخر الكتاب إن شاء الله تعالى. وهذا الباب يبين لك معنى قوله تعالى:

﴿يا أَيُّهَا النّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ﴾ [الحج: ٥]. وقوله: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ﴾ [الأنعام: ٢].

وقوله: ﴿ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ﴾ [السجدة: ٨]، ولا تعارض في شيء من ذلك على ما بينا في كتاب «الجامع لأحكام القرآن، والمبين لما تضمن من السنة، وآي الفرقان» وهذا الباب يجمع لك ذلك كله فتأمله.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>