ملائكة عميا صمّا يضربون الناس بفطاطيس من حديد، ولا نجد فيه حيات ولا ثعابين، ولا نيرانا ولا تنانين. وكذلك لو كشفنا عنه في كل حالة لوجدناه فيه لم يذهب ولم يتغير، وكيف يصح إقعاده ونحن لو وضعنا الزئبق بين عينيه لوجدنا بحاله؟ فكيف يجلس ويضرب ولا يتفرق ذلك؟ وكيف يصح إقعاده وما ذكرتموه من الفسحة؟ ونحن نفتح القبر فنجد لحده ضيقا ونجد مساحته على حد ما حفرناها لم يتغير علينا؛ فكيف يسعه ويسع الملائكة السائلين له؟ وإنما ذلك إشارة إلى حالات ترد على الروح من العذاب الروحاني، وإنها لا حقائق لها على موضوع اللغة.
والجواب: أنا نؤمن بما ذكرناه، ولله أن يفعل ما يشاء من عقاب ونعيم، ويصرف أبصارنا عن جميع ذلك بل يغيّبه عنا. فلا يبعد في قدرة الله تعالى فعل ذلك كله، إذ هو القادر على كل ممكن جائز، فإنا لو شئنا لأزلنا الزئبق عن عينيه، ثم نضجعه ونرد الزئبق مكانه، وكذلك يمكننا أن نعمق القبر ونوسّعه حتى يقوم فيه قياما فضلا عن القعود، وكذلك يمكننا أن نوسّع القبر مائتي ذراع فضلا عن سبعين ذراعا، والرب سبحانه أبسط منا قدرة، وأقوى منا قوة، وأسرع فعلا، وأحصى منا حسابا ﴿إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس: ٨٢] ولا رب لمن يدّعي الإسلام إلاّ من هذه صفته، فإذا كشفنا نحن عن ذلك رد الله سبحانه الأمر على ما كان، نعم بل لو كان الميت بيننا موضوعا فلا يمتنع أن يأتيه الملكان ويسألاه من غير أن يشعر الحاضرون بهما، ويجيبهما من غير أن يسمع الحاضرون جوابهما. ومثال ذلك: نائمان بيننا أحدهما ينعم والآخر يعذّب، ولا يشعر بذلك أحد ممن حولهما من المنتبهين، ثم إذا استيقظا أخبر كل واحد منهما عما كان فيه.
وقد قال بعض علمائنا: إن دخول الملك القبور جائز أن يكون تأويله؛ اطلاعه عليها وعلى أهلها، وأهلها مدركون له عن بعد من غير دخول ولا قرب، ويجوز أن يكون الملك للطافة أجزائه يتولّج في خلال المقابر، فيتوصل إليهم من غير نبش، ويجوز أن ينبشها ثم يعيدها الله إلى مثل حالها على وجه لا يدركها أهل الدنيا. ويجوز أن يكون الملك يدخل من تحت قبورهم من مداخل لا يهتدي الإنسان إليها.
وبالجملة: فأحوال المقابر وأهلها على خلاف عادات أهل الدنيا في حياتهم، فليس تقاس أحوال الآخرة على أحوال الدنيا، وهذا ممّا لا خلاف فيه. ولولا خبر الصادق بذلك لم نعرف شيئا مما هنالك. فإن قالوا: كل حديث يخالف مقتضى