للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معارض لها. وجاء فيما تقدم من الآثار؛ أن الكافر يفتن في قبره ويسأل ويهان ويعذب.

قال أبو محمد عبد الحق: «واعلم أن عذاب القبر ليس مختصّا بالكافرين، ولا موقوفا على المنافقين، بل يشاركهم فيه طائفة من المؤمنين، وكلّ على حاله من عمله وما استوجبه من خطيئته وزلله، وإن كانت تلك النصوص المتقدمة في عذاب القبر إنما جاءت في الكافر والمنافق».

قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب «التمهيد» (١): «الآثار الثابتة تدل على أن الفتنة في القبر لا تكون إلا لمؤمن أو منافق مما كان في الدنيا منسوبا إلى أهل القبلة ودين الإسلام، وممن حقن دمه بظاهر الشهادة، وأما الكافر الجاحد المبطل فليس ممن يسأل عن ربه ودينه ونبيه، وإنما يسأل عن هذا أهل الإسلام والله أعلم». فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ويرتاب المبطلون.

قال ابن عبد البر: «وفي حديث زيد بن ثابت عن النبي أنه قال: «إن هذه الأمة تبتلى في قبورها» ومنهم من يرويه: تسأل، وعلى هذا اللفظ يحتمل أن تكون هذه الأمة خصّت بذلك، وهذا أمر لا يقطع عليه، والله أعلم».

وقال أبو عبد الله الترمذي في «نوادر الأصول»: «وإنما سؤال الميت في هذه الأمة خاصة، لأن الأمم قبلنا كانت الرسل تأتيهم بالرسالة فإذا أبوا كفت الرسل، واعتزلوا وعوجلوا بالعذاب، فلما بعث الله محمدا بالرحمة وأمانا للخلق، فقال: ﴿وَما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧] أمسك عنهم العذاب وأعطى السيف حتى يدخل في دين الإسلام من دخل لمهابة السيف، ثم يرسخ في قلبه، فأمهلوا، فمن هنا ظهر أمر النفاق فكانوا يسرّون الكفر ويعلنون الإيمان، فكانوا بين المسلمين في ستر، فلما ماتوا قيّض الله لهم فتّاني القبر ليستخرج سترهم بالسؤال، وليميز الله الخبيث من الطيب، فيثبت الثابت في الحياة الدنيا ويضل الله الظالمين».

قال المؤلف: قول أبي محمد عبد الحق أصوب - والله أعلم، فإن الأحاديث التي ذكرناها من قبل تدل على أن الكافر يسأله الملكان، ويختبرانه بالسؤال ويضرب بمطارق من حديد على ما تقدم - والله أعلم.

***


(١). (٢٢/ ٢٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>